غير مغفورة، حتى وقعت لهم الحاجة إلى التوبة وطلب المغفرة، وقال أيضًا في آية أخرى: (وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)، فإما أن يكونوا أمروا بالتوبة عن الصغائر؛ فيكون فيه دلالة على أنها ليست بمغفورة؛ إذا احتاجوا إلى التوبة عن الصغائر، أو عن الكبائر؛ فيكون فيه دلالة بقائهم على الإيمان! وكذلك قال: (وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ)، وإن كان استغفاره هذا عن الصغائر، ففيه دلالة على أنها غير مغفورة؛ لحاجته إلى طلب المغفرة، ولو كان الأمر على ما ظنت المعتزلة، لكان سؤاله المغفرة يخرج مخرج الاستهزاء برب العالمين؛ لأنه يطلب منه ما لا يملك، وذلك في الشاهد هزء واستخفاف بالمسئول.
وإن كان في الكبائر، ففيه دلالة بقائهم وثباتهم على الإيمان؛ لأنه قال: (وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ).
ثم قوله تعالى: (تَوْبَةً نَصُوحًا).
قرئ بنصب النون وضمها: (نُصُوحًا)، والضم يخرج مخرج المصدر، والنصوح -بالفتح-: يخرج مخرج النعت للتوبة، والفَعُول من الأفعال هو اسم للمبالغة في الأمر، فكأنه يقول: توبوا توبة تناهت في نصحها، والمبالغة في النصح أن يكون صادقا في توبته، وعلامة الصدق أن يكون نادما بقلبه عما فعل، عازما على ألا يرجع إليه، وأن يقلع يديه عما كان فيه من المعاصي، وأن يستغفر اللَّه بلسانه؛ فيستعمل كل جسده في الندم والانقلاع، كما استعمل سائره في التلذذ بالمآثم؛ فذلك هو المبالغة في النصح.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ) بالتوبة، ففي هذا إبانة أن من السيئات سيئات لا تكفر إلا بالتوبة، ومنها ما يكفر باجتناب الكبائر بقوله: (إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ)، لا أن يكفر كلها بالاجتناب عن الكبائر كما زعمت المعتزلة.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ).
وقد سبق بيان هذا.
وقوله - تعالى -: (وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ).
وللمعتزلة بهذه الآية تعلق، وهو أن قالوا بأن اللَّه تعالى أخبر أنه لا يخزي النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -