وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَلَمَّا رَأَوْهَا قَالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ (٢٦).
أي: قد ضللنا الطريق، فكان عندهم أنهم قد ضلوا الطريق لذلك لم يتوصلوا إلى ثمارها ثم ظهر لهم أنهم لم يضلوا الطريق، بل حرموا بركة الثمار بجنايتهم التي جنوها، فتذكروا صنيعهم، وندموا على ذلك، فأقبلوا بالاستكانة والتضرع إلى اللَّه تعالى، فتاب عليهم، فلعل الذي قال: (إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ) يخرج على هذا، وهو أنا بلونا أصحاب الجنة، فتذكروا؛ فرفع عنهم العذاب، ولم يتذكر أهل مكة فحل بهم العذاب يوم بدر، كما قال: (فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ).
وقوله: (قَالَ أَوْسَطُهُمْ ... (٢٨).
أي: أعدلهم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْلَا تُسَبِّحُونَ).
جائز أن يكون معناه: لولا تصلون الفجر، ثم تخرجون.
وجائز أن يكون معناه: لولا تستثنون.
وقد ذكرنا أن في الاستثناء معنى التسبيح؛ لأن فيه إقرارا بأن الأمور كلها تنفذ بمشيئة اللَّه تعالى، وأنه هو المغير والمبدل دون أحد سواه.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (قَالُوا سُبْحَانَ رَبِّنَا ... (٢٩).
فهذا منهم توحيد وتنزيه.
وفي قوله: (إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ) اعتراف بما ارتكبوا من الذنوب وإنابة إلى اللَّه تعالى، وتمام التوبة منهم في قوله: (فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَلَاوَمُونَ (٣٠) قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا طَاغِينَ (٣١).
فذكر المفسرون في قوله: (فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَلَاوَمُونَ)، أي: أقبل بعضهم على بعض باللوم يقول: أنت أمرتنا أن نصرمها ليلًا، وقال هذا لهذا: بل هو عملك أنت. وهذا لا معنى له؛ لأن هذا يوجب تبرئة كل واحد منهم عن ارتكاب الذنوب، وقد سبق منهم الإقرار بالذنب بقولهم: (قَالُوا سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ)، وبقولهم (يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا طَاغِينَ)، فكيف يبرئون أنفسهم عن الذنوب وقد اعترفوا بها؟! فهذا تأويل لا معنى له، بل معناه - واللَّه أعلم - فأقبل بعضهم على بعض يتلاومون على إدخال كل منهم نفسه في ذلك القول، فأقبل كل واحد منهم باللائمة على نفسه حتى يكون هذا موافقا لقوله: