وقيل: اشتق هذا الاسم للعذاب من أفعال من عذب به ليس أنها طاغية، لكن أخذ اسمه عن فعل القوم؛ كقوله تعالى: (وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا)، وقال: (فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ)، وإنما ذلك كله جزاء سيئاتهم واعتدائهم.
وقيل: (بِالطَّاغِيَةِ) أي: بطغيانهم وذنوبهم الذي سلف منهم؛ كقوله تعالى: (فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ).
ويحتمل أن يكون هذا صفة لأحوالهم التي كانوا عليها من شدة التمرد والعتوّ ومن طغيانهم التكذيب بالحاقة والقارعة، ففيه تخويف لأهل مكة أن سيهلكهم اللَّه - تعالى - إن لم ينتهوا عن التكذيب كما أهلك أُولَئِكَ.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ - (وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ (٦).
قال الحسن: الريح الصرصر هي الصيحة، وهي التي لها صوت.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: هي الريح الباردة الشديدة البرد؛ كقوله: (رِيحٍ فِيهَا صِرٌّ أَصَابَتْ. . .)، والصر: البارد، والصرصر المكرر منه، فوصفها لدوامها وتكررها.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ - (عَاتِيَةٍ) فتأويلها على ما ذكرنا في الطاغية.
وذكر الكلبي وغيره: أنها سميت: عاتية؛ لأنها عتت على الخزان فلم يطيقوها، وهذا لا يستقيم؛ لأنه لا يجوز أن يوكل الخزان على حفظها، ثم لا يمكنون من الحفظ حتى تعتوا عليهم، إلا أن يقال بأنهم لم يوكلوا بحفظها في ذلك الوقت، فأما إذا وكلوا بحفظها، ثم لا يُجعل لهم إلى حفظها سبيل، فهذا مستحيل، واللَّه الموفق.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ (٧).
قوله: (سَخَّرَهَا) قيل: أرسلها.
وقيل: أدامها عليهم.
وقيل: التسخير: التذليل، أي: ذللها؛ فصيّرها بحيث لا تمتنع عن المرور عليهم في الوجه الذي جعلها عليهم، وأطاعته في الوجه الذي أرسلها، وإنما أرسل الريح على أبدانهم خاصة، لم تهلك شيئًا من مساكنهم؛ كقوله (تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا فَأَصْبَحُوا لَا