لأنها أخذت أبدانهم وأهلكتها، ثم ردت أرواحهم إلى جهنم فتعرض عليها غدوًّا وعشيًّا، فذلك هو الزيادة على الأخذ، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (إِنَّا لَمَّا طَغَى الْمَاءُ حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَةِ (١١).
قَالَ بَعْضُهُمْ: أي: طغى على الخزان؛ لأن الخُزَّان يطلقون القطر بالكيل والوزن والقدر المعلوم، ثم ذكر في موضع آخر: (فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ) أي: منصب؛ فيكون تأويله: أن اللَّه - تعالى - لم يمكنهم من حفظ القطر في ذلك الوقت؛ فطغى عليهم لهذا المعنى، وإلا لو لزموا حفظه في ذلك الوقت، لكان الماء لا يطغى عليهم، على ما ذكرنا: أنه لا يجوز أن يؤمروا بحفظه ولا يملكون حفظه.
وجائز أن يكون قوله: (طَغَا)، أي: طغى على الذين أهلكوا من مكذبي نوح - عليه السلام - وقد وصفنا تأويل الطاغي، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَةِ).
قد ذكر أنه حملنا، ولم نكن نحن يومئذ فنُحْمَل، والخطاب للذين كانوا في زمن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - وإنما كان لأن بنجاة أُولَئِكَ المحمولين نجاة ذريتهم، وبهلاك أُولَئِكَ فناء ذريتهم؛ فكأنه قد حملهم بحمل أُولَئِكَ؛ لما حصلت لهم النجاة بحملهم.
أو أضاف إليهم؛ لأنه قدر كونهم من آبائهم؛ فكانوا حملوا تقديرًا، وهو كقوله: (يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ)، ومعناه: أنزلنا عليكم ما قدرنا كون اللباس منه، وهو المطر، فإذا أنزل المطر الذي قدر كون اللباس منه، فكأنه أنزل اللباس، وقال - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ)، ونحن لم نخلق من التراب، ولكن لما قدر خلقنا من التراب الذي أصلنا منه فكأنا خلقنا منه؛ فعلى ذلك وإن لم نكن محمولين في السفينة، فقد حمل أصلنا؛ لنكون نحن من ذلك الأصل، فكأنا قد حملنا فيها؛ إذ