وقد ذكر أسامي في الآخرة ليس للخلق بمعرفتها عهد؛ ألا ترى أن الزقوم ليس باسم لشيء يستقبح ويستفظع في الدنيا، ثم جعله اللَّه - تعالى - اسمًا للشيء المستبشع الكريه في الآخرة، وقال (عَيْنًا فِيهَا تُسَمَّى سَلْسَبِيلًا)، والسلسبيل غير معروف فيما بين أهل اللسان.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: الغسلين: ما يسيل من جلود أهل النار إذا عذبوا، وذلك هو الصديد والقيح.
وجائز أن يكون إذا اشتد حرهم استغاثوا إلى اللَّه - تعالى - وطلبوا منه ما يرجون أن يرفع عنهم الحر، فيصب عليهم ما يزيد في عذابهم؛ فيسمى ما يزول عنهم: غسلينا، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (لَا يَأْكُلُهُ إِلَّا الْخَاطِئُونَ (٣٧) فهم الذين قال: (إِنَّهُ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ (٣٣) وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ).
ثم قوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا) لا يجوز أن تكون السلسلة تفضل عن أبدانهم فتأخذ فضل مكان من جهنم؛ لأنه - تعالى - وعد أن يملأ جهنم من الجنة والناس أجمعين، ولو كانت تلك السلسلة آخذة فضل مكان، لكان لا يقع الامتلاء بالجنة والناس أجمعين فقط، فيؤدي إلى خلف الوعد، واللَّه - عَزَّ وَجَلَّ - لا يخلف الميعاد، ولكن إن كانت تلك السلسلة أطول من أبدانهم فهي تدار على أهلها؛ ليقع لهم بها فضل تضييق وغم، فأمّا أن تفضل عن أبدانهم فلا يحتمل.
وذكر عن عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه قال: " حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا؛ فإنه أهون -أو قال: أيسر- عليكم، وزنوا أنفسكم قبل أن توزنوا، وتجهزوا للعرض الأكبر يوم القيامة؛ (يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ) ".
وعن الحسن أنه قال: " إن المؤمن قوام نفسه، يحاسب نفسه لله - تعالى - وإنما خف الحساب يوم القيامة على قوم حاسبوا أنفسهم في الدنيا، وإنما شق الحساب يوم القيامة على قوم أخذوا هذا الأمر من غير محاسبة؛ لأن المؤمن يفجؤه الشيء فيقول: واللَّه إني لأستهينك وإنك لمن حاجتي، ولكن واللَّه ما لي من صلة إليك، هيهات حيل بيني وبينك، ويفرط منه الشيء؛ فيرجع إلى نفسه، فيقول: ما أردت هذا، ما لي ولهذا، والله ما أعذر، واللَّه لا أعود لهذا إن شاء اللَّه - تعالى - إن المؤمنين قوم أوثقهم العذاب،