الضعف والمرض في الشاهد، ووجد طعم الأشياء على خلاف ما هي عليها؛ فيكون في ذكر هذا تهويل وتفزيع أن هول ذلك اليوم شديد لا تقوم لهوله السماوات والأرضون مع صلابتها وغلظها في نفسها، فكيف يقوم لهولها الآدمي الموصوف بالضعف واللين.
وجائز أن تكون على ما ذكرنا أنها تصير شبيهة بالمهل؛ للينها ورخاوتها، وهو أنها تلين وترخو من هول ذلك اليوم حتى تصير السماء كالمهل، والجبال كالعهن؛ فيكون في هذا - أيضا - تهويل؛ ليرجعوا عما هم عليه ويقبلوا على عبادة الله تعالى، ويتسارعوا إلى طاعته.
وتأويل العهن، ووجه تشبيه الجبال بها يذكر بعد هذا في قوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ).
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَلَا يَسْأَلُ حَمِيمٌ حَمِيمًا (١٠) قرئ برفع الياء ونصبها، فمن رفع الياء فتأويله: أي: لا يطلب حميم من حميم، ولا يؤخذ بمكانه كما يفعل مثله في الدنيا؛ لأن ذلك اليوم هو يوم العدل، وليس من العدل أن يؤخذ الغير بذنب الغير.
ومن قرأه بالنصب فتأويله: ألا يسأل حميم حميما من شدة ذلك اليوم وهوله النصرة والشفاعة.
أو لا يسأل عن حاله بما حل به من الشغل في نفسه.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (يُبَصَّرُونَهُمْ يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ (١١) يحتمل أن يُعَرَّف بعضهم عن بعض أن هذا أبوك وابنك وحميمك؛ إذ لا يعرفه إلا بالتعريف؛ لما حل به من شدة الهول والفزع، ثم إذا عرفوا لا يسألونهم؛ بل يفر بعضهم من بعض، كما قال تعالى: (يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ). الآية.