آمنوا به، وتبرءوا عن مقالتهم المتقدمة.
وقد يحتمل غير ما ذكره عنهم أبو بكر من التأويل، وهو أن القوم كانوا أنشئوا على الهدى والإيمان؛ فكانوا يظنون أن الجن والإنس على الهدى، وأنهم لا يكذبون على الله تعالى حتى ظهر عندهم كذب الإنس والجن، بقولهم: إن لله ولدا وصاحبة.
وجائز أن يكون معناه: إنا كنا نظن ألا تسخو نفس أحد من الممتحنين بالكذب على اللَّه تعالى بما أراهم اللَّه تعالى قبح الكذب، وقرر عندهم بالحجج والأدلة تنزيهه عن اتخاذ الأولاد والصاحبة؛ حتى ظهر عندهم ذلك بما أظهروه بألسنتهم.
ثم الذي يدل على أن التأويل الذي ذكره أبو بكر ليس بمحكم: أنه قد كان في الجن والإنس مصدق يصف اللَّه تعالى بالتنزيه، وقد كان فيهم من يقول بالولد والصاحبة؛ ألا ترى إلى قوله حكاية عنهم: (وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ)، وإلى قوله: (وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ)، ولا يحتمل أن يقع عندهم أن الفريقين جميعا على الصواب، ولكن كان في ظنونهم أن القوم جميعا على الهدى على ما هم عليه، فلما تبين عندهم الكذب من أُولَئِكَ قالوا هذا القول واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا الْهُدَى آمَنَّا بِهِ فَمَنْ يُؤْمِنْ بِرَبِّهِ فَلَا يَخَافُ بَخْسًا وَلَا رَهَقًا (١٣).
ذكر أن الإنس، هم قوم من العرب كانت إذا نزلت بواد استجارت بسيد الوادي، وقالت: نعوذ بسيد هذا الوادي من سفهاء قومه.
ثم اختلف بعد هذا:
فمنهم من ذكر أنهم كانوا يجيرونهم.
ومنهم من زعم أنهم كانوا لا يجيرونهم، وكان ذلك يزيد في رهق الإنس من الجن.
وقالوا: الرهق: هو الخوف، والفرق؛ كذلك روي عن أبي رءوف.
ومنهم من يقول: هو الذلة والضعف، فكانوا يزدادون الضعف والذلة والخوف