يعاملنا بالإفضال والإنعام.
وعلى قول المعتزلة من ارتكب كبيرة، ردت عليه حسناته، وصار عدوًّا لله تعالى، وخلد في النار أبد الآبدين، واللَّه يقول: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا)، وأولى الحسنات التي يستوجب عليها المضاعفة هو الإيمان باللَّه تعالى، فلا يجوز أن يخلد في النار، ويذهب عنه منفعة الإيمان، تعالى اللَّه عما يقولون علوًّا كبيرا.
ثم قوله: (بَخْسًا وَلَا رَهَقًا) يحتمل وجهين:
أحدهما: البخس: النقصان، أي: لا ينقص من حسناته، والرهق: الظلم؛ كقوله تعالى: (فَلَا يَخَافُ ظُلْمًا وَلَا هَضْمًا)، وأن يحمل عليه من سيئات ارتكبها غيره.
والثاني: (فَلَا يَخَافُ بَخْسًا)، أي: ألا تقبل حسناته إذا تاب، (وَلَا رَهَقًا) أي: ظلم؛ فلا يحسب له من حسناته شيئا.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ ... (١٤).
القاسط: الجائر والمقسط: العادل.
ثم في العدل ثلاث لغات؛ يقال عدل عنه: إذا مال وجار.
وعدل به: إذا جعل له شريكا وعديلا.
وعدل فيه: إذا حكم بالعدل.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا):
التحري والتوخي هو القصد؛ فكأنه يقول: قصد الرشد بالإسلام.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا (١٥).
قال أبو بكر الأصم: دلت الآية على أن للجن لحما ودما كما للإنس؛ لأنه قال في الإنس: (وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ)، فلو لم يكونوا لحما ودما، لم يصيروا لجهنم حطبا.
ولكن هذا لا يدل؛ لأن اللحم من شأنه أن يحترق وينضج، ولا يصلح أن يكون وقودا، ولكن اللَّه تعالى باللطف، صير لحمان الإنس وقودا، ليس أن صار حطبا بما كان