التبيين، والأصل أن السامع للقرآن مأمور بالاستماع إليه، وإذا لزمه الاستماع، وفي الاستماع الوقوف على حسن نظمه وعجيب حكمته، والوقوف على معانيه؛ فلزم القارئ تبيينه؛ ليصل السامع إلى معرفة معانيه، ويقف على حسن نظمه، وعجيب تأليفه، وذلك يكون أقرب في إفهام السامع والقارئ؛ لما فيه من لطائف المعاني.
ثم الترتيل منصرف إلى القراءة، وسمى القراءة: قرآنا على جهة المصدر؛ إذ ما هو كلام اللَّه تعالى لا يوصف بالترتيل، واللَّه الموفق.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا (٥) ولم يقل: ثقيلا على من؟ فجائز أن يكون الثقل راجعا إلى الكفرة والمنافقين، ويكون الثقيل الأمر بالجهاد؛ لأنه اشتد على الفريقين جميعا، وأيس الكفار من المسلمين أن يعودوا إلى ملتهم؛ قال اللَّه تعالى: (الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ)، وتخلف المنافقون عن القتال مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - وثقل ذلك عليهم، فجائز أن يكون قوله (ثَقِيلًا)؛ أي: على الكفرة والمنافقين، وكذا على أهل الكبائر ثقيل أيضا؛ لأنهم لم يتمنوا أن ينزل عليهم الكتاب، وأما على المسلمين فليس بثقيل بل هو كما قال تعالى: (وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ).
وجائز أن يصرف ذلك إلى رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -؛ لأنه أمر بتبليغ الرسالة إلى الفراعنة وإلى الخلق كافة، وفي القيام بالتبليغ إلى الفراعنة مخاطرة بالروح والجسد، والقيام بما فيه مخاطرة بالروح والجسد أمر ثقيل صعب جدًّا.
أو يكون ذلك منصرفا إلى قيام الليل؛ فيكون معنى: (قَوْلًا ثَقِيلًا): أي الوفاء بما يوجبه ذلك القول.
وجائز أن يكون هذا منصرفا إلى اتباع رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - وأنصاره؛ فيكون ثقله من الوجه الذي كلفوا القيام بفرائضه، وحفظ حدوده، وتحليل حلاله، واجتناب حرامه.
وزعمت الباطنية أن القول الثقيل هو أن كلف الناطق - وهو الرسول عليه السلام - بتفويض الأمر إلى الأساس، وهو الباب، وذلك الأساس والباب هو علي بن أبي طالب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عندهم، وهم يسمون الرسول - عليه السلام -: ناطقا، ويقولون بأن رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - كان مأمورا بتبليغ التنزيل إلى الخلق؛ فلما بلغ التنزيل إليهم،