في التدبر في أمر السماء والأرض تحقيق ذلك.
وفي قوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ)، أي: الذي أمرت بذكره هو رب المشرق والمغرب، وفيه تعريف الوجه الذي يوصل إلى معرفة ربوبيته.
وقوله: (لَآ إلَهَ إِلَّا هُوَ)، أي: لا معبود يستحق العبادة إلا هو؛ لأن الذي يحمل الإنسان على عبادة المعبود الخوف والرجاء، وإذا عرفهم بذكر المشرق والمغرب أن تدبير الخلائق كلها راجع إليه، وأنه هو القاهر عليهم والقادر عليهم، وبيده الخزائن والمنافع أجمع، علموا أنه هو الإله الحق، والرب القاهر، وأن من سواه مربوب مقهور، لا يملك نفعا ولا ضرًّا، فكيف يستوجب العبادة والإلهية؟!.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا):
جائز أن يكون أراد به أن كِلْ أمورك كلها إلى اللَّه تعالى حتى يكون هو الذي يدبر ويحكم، ولا تر لنفسك فيها تدبيرا.
والوكيل في الشاهد هو الذي يدخل في أمر آخر على جهة التبرع؛ لينصره فيه، ويعينه؛ فيكون قوله: (فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا)، أي: اطلب من عنده النصر والمعونة، والمرء في الشاهد إنما يفزع إلى الوكيل؛ ليزيح عن نفسه علله، ويقضي عنه حوائجه، ويقوم عنه في النوائب؛ فكأنه يقول: افزع إلى اللَّه تعالى في نوائبك؛ فيكون هو الذي يزيح عنك العلل، ويقضي عنك الحوائج، ويكون معتمدك في النوائب، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا (١٠).
قال أهل التفسير: تأويله: اصبر على تكذيبهم إياك؛ ألا ترى إلى قوله في سياق الآية: (وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعْمَةِ)، فثبت أنه دعي إلى الصبر على التكذيب.
وجائز أن يكون منصرفا إلى هذا وإلى غيره؛ لأنهم كانوا لا يقتصرون على تكذيبه، بل كانوا ينسبونه إلى الكذب مرة، وإلى السحر ثانيا، وإلى الجنون ثالثا، وإلى أنه يتيم رابعا؛ فكانوا يؤذونه بأنواع الأذى؛ فجائز أن يكون قوله: (وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ) منصرفا إلى كل ذلك.
ثم الأمر بالصبر يقع بخصال ثلاث:
أحدها: ألا تجازهم على تكذيبهم إياك تكذيبك إياهم، أو لا تجزع عليهم، وفي