يذكر " عليكم " ويراد به " لكم " كقوله: (وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ)، أي: للنصب؛ لأنهم كانوا يذبحون لها، لا عليها.
وخص ذكر موسى - عليه السلام - وفرعون من بين الجملة؛ ففائدة ذكر التخصيص هو - واللَّه أعلم - أن رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - كان منشَؤه بين ظهراني الذين كذبوه، ولم يكن وقفوا منه على كذبة قط؛ بل كانوا عرفوه بالصيانة والعدالة، وكان بمحل يرونه أهلا للشهادة؛ فكيف ينسبونه إلى الكذب، ولم يعهدوا ذلك منه، وكذلك موسى - عليه السلام - كان نشأ بين ظهراني أُولَئِكَ الذين أرسل إليهم، وكانوا عرفوه بالصيانة والعدالة، وعرفوا أنه يصلح للشهادة.
ومنهم من يقول بأنهم ازدروا برسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -، واستصغروه؛ اعتبارا بما شهدوا من حاله عند الصغر؛ إذ كان نشوءه فيهم؛ وكذلك ازدروا بموسى - عليه السلام - حين بعث إليهم، واستخفوا به استخفافهم به في حال الصغر، حتى قالوا: (أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًا وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ)، فنزل بهم ما نزل بأُولَئِكَ من الاستئصال بتكذيبهم إياه، وازدرائهم به، فذكرهم حال مكذبي موسى - عليه السلام - وما نزل بهم من مقت اللَّه تعالى بتكذيبهم وازدرائهم به ليعتبروا به؛ فينقلعوا عن الازدراء؛ لئلا يحل بهم ما حل بأُولَئِكَ.
ولئلا يغتروا بقواهم، وكثرة عددهم وأموالهم؛ فإن مكذبي موسى - عليه السلام - كانوا أكثر أموالا وأولادا وأعدادا، وأشد بطشا؛ فلم يغنهم ذلك من اللَّه - تعالى - شيئا.
وجائز أن يكون خص ذكر موسى - عليه السلام - وفرعون ونبأهما؛ لأن خبره كان منتشرا فيما بين أهل مكة؛ لأنهم كانوا جيرة اليهود الذين عندهم نبأ موسى - عليه السلام - وفرعون، فكانوا يخبرونهم بما حل بفرعون وقومه بتكذيبهم الرسول؛ فذكرهم نبأ موسى - عليه السلام - لينتهوا عما هم عليه من التكذيب.
ولأن لله تعالى أن يحتج عليهم بآحاد الحجج، وله أن يحتج عليهم بجملتها؛ إذ في ذلك قطع الشبه، وإزاحة العذر.
أو ذكرهم نبأ موسى - عليه السلام - وقومه؛ لأن العهد بهم كان أقرب؛ إذ قومه كانوا آخر قوم استؤصلوا في الدنيا.
وقوله: (فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ فَأَخَذْنَاهُ أَخْذًا وَبِيلًا (١٦) أي: شديدا: ومنه: المطر الشديد