والعناد: هو مخالفة الحق عن علم بظهور الحق؛ فيكون قوله: (إِنَّهُ كَانَ لِآيَاتِنَا عَنِيدًا): أنه بعد علم وإحاطة ويقين عاند آيات اللَّه، وخالف أمر رسوله، واستكبر.
والمكابر هو الذي يكابر عقله، فيخالف ما يثبته عقله بالأقوال أو بالأفعال.
ثم في قوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ. كَلَّا) إبطال قول من قال: إن اللَّه تعالى لا يفعل بعباده إلا ما هو الأصلح لهم؛ لأن قوله: (أَنْ أَزِيدَ) لا يخلو إما أن تكون الزيادة التي كان يطمعها خيرا له، وفي شرط اللَّه - تعالى - عندهم أن يزيده، وفي قوله: (كَلَّا) قطع طمعه للزيادة؛ فيصير بحرمان الزيادة عنه جائرًا؛ فكيف حصل آية رسالته من الوجه الذي هو جور عندكم.
وإن كان حرمان الزيادة خيرا له وأصلح؛ فكيف جعل الحرمان - أيضا - علما لنبوته، وكان عليه أن يحرمه على زعمكم.
وفي قراءة عبد اللَّه بن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: (ثم يطمع أن يزيد).
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (سَأُرْهِقُهُ صَعُودًا (١٧):
جائز أن يكون على تحقيق الصعود، وهو العقبة التي يشتد الصعود عليها؛ كما ذكره بعض أهل التأويل، فيكلف الصعود عليها.
وجائز أن يكون على التمثيل؛ وذلك لأن الصعود في الشاهد مما يشق على المرء، والهبوط مما يسهل على المرء الانحدار عنه.
فإن كان على هذا، ففيه أنه يصيبه في الآخرة مما يشتد ويشق على نفسه تحمل ذلك.
ثم يقال للمعتزلة في هذه الآية وفي قوله: (سَأُصْلِيهِ سَقَرَ): إن في هذا وعيدا من الله تعالى بأن يصليه سقر، وسيرهقه صعودا، فأراد اللَّه تعالى أن يصدق خبره، وينجز وعده، أو أراد أن يكذب خبره، ويخالف وعده؟
فإن قلتم بالثاني، فقد نسبتموه إلى الكذب، وإلى خلف الوعد؛ ومَن هذا وصْفُه فهو سفيه جاهل، لا يصلح أن يكون إلها.
وإن قلتم: بلى، أراد أن يصدق خبره، وينجز وعده، قلنا لكم: أراد أن ينجز وعده مع دوامهم على الكفر، أو عند انقلاعهم عنه؟
فإن زعمتم أنه إنما أراد أن يصليهم سقر على الخروج من الكفر، فهذا منه جور؛ لأنه