المرتهنين؛ لأنه ذكر الرهون بلفظ يعبر بها عن الجمع، وهو قوله: (كُلُّ نَفْسٍ)، فاستقام استثناء الجماعة من تلك الجملة، أي: أصحاب اليمين قد سبقت منهم الأعمال التي يستوجبون بها الإطلاق عن الحبس؛ لأن المجرمين صاروا مرهونين بإجرامهم، وأصحاب اليمين قد اكتسبوا الخيرات، وعملوا الصالحات، والأعمال الصالحة جعلها اللَّه تعالى مكفرة للمساوئ والإجرام؛ كقوله: (لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ).
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءَلُونَ (٤٠) عَنِ الْمُجْرِمِينَ (٤١) مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ (٤٢) قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ (٤٣).
فظاهر هذا يؤدي إلى أن التساؤل كان من أهل الجنة بعضهم بعضا، وإذا صدر السؤال عن بعضهم بعضا فحقه أن يقال: " ما سلكهم في سقر "؛ لأن أهل السقر لم يسألوا، بل سئل عنهم غيرهم؛ ألا ترى أنه قال: (عَنِ الْمُجْرِمِينَ)، ولم يقل: " يتساءلون المجرمون "؛ فثبت أن الظاهر يقتضي أن يكون المخاطبون غير المجرمين؛ لذلك قلنا: إن حق مثله أن يقال: " ما سلكهم في سقر "، لكنه يحتمل أن يكون قوله: (عَن) زيادة في الكلام، وحقه الحذف والإسقاط، وإذا حذف ارتفع الريب والإشكال؛ كأنه قال: في جنات يتساءلون المجرمين؛ فيكون فيه تثبيت أن أهل السقر هم الذين خوطبوا بالسؤال.
وجائز أن يكون أهل الجنة يسأل بعضهم بعضا عن مكان المجرمين، أين مكانهم؟ وأين هم؟ فيطلعون عليهم فيسألونهم: (مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ)؟ فيقولون إذ ذاك: (لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ. . .) إلى آخر الآية؛ ألا ترى إلى قوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ)؛ فثبت أنهبم يطلعون على أماكنهم، فإذا رأوهم سألوهم عن ذلك بقوله: (مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ)، فأجابوا بما أخبر اللَّه تعالى عنهم بقوله: (لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ. . .) إلى قوله: (وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ).
والأصل: أن الأفعال التي يتعلق جوازها بالإيمان إذا أضيفت إلى من ليس من أهل الإيمان، أريد بها القبول، وإذا أضيفت إلى أهل الإيمان، أريد بها أعين تلك الأفعال.
والذي يدل على هذا هو أن الكافر يسلك به إلى سقر إذا كان مكذبا بيوم الدِّين، وإن أقام الصلاة، وأطعم المسكين، لم ينفعه ذلك حتى يوجد منه الإيمان؛ فثبت أنه لم يرد بذكر هذه الأفعال إتيان أعينها؛ وإنما أريد بها القبول والإقرار بها؛ والذي يدل على