وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي وَلِأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (١٥٠) كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ (١٥١) فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ (١٥٢)
وقوله: (وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ (١٤٩)
نقول - واللَّه أعلم -: حيثما كنت من المدائن والبلدان (فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ)، شطره: تلقاءه ونحوه وجهته.
وهذا يبطل قول من يقول؛ إن الحرم قبلة لمن نأى عن البيت، وبعد من أهل الآفاق، حيث أمر نبيه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - بالتوجه إلى شطر المسجد الحرام حيث ما كانت من البلدان. وبالله العصمة والتوفيق.
وقال الشيخ رحمه اللَّه تعالى: ذكر المسجد، ومعناه موضعًا منه عرف ذلك بالفحص من البقاع البعيدة والأمكنة الخفية، لا بالظاهر ولا ذكر وصل البيان به.
وقوله: (وَإِنَّهُ لَلْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ).
قيل: (وَإِنَّهُ) تحويل القبلة، هو الحق (مِنْ رَبِّكَ).
وقيل: (وَإِنَّهُ) يعني محمدًا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -، هو الحق (مِنْ رَبِّكَ) ويحتمل يعني: القرآن هو الحق من ربك.
وقوله: (وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ).
قد ذكرنا هذا فيما تقدم.
وقوله: (وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ (١٥٠)
على ما ذكرنا.
وقوله: (وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ).
خاطب الكل، وأمرهم بالتوجه إليه حيثما كانوا، حتى لا يكون هو المخصوص به دونهم.
وقوله: (لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ)
تأويل هذا الكلام - واللَّه أعلم - أنه لما اختار اليهود ناحية المغرب قبلة، والنصارى ناحية المشرق بهواهم، فأنزل اللَّه عَزَّ وَجَلَّ: (لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ