عنه بالحيل والأسباب، ثم النوم كأنه من أثقل الأحمال وأشدها، ثم إذا زايل الإنسان، وعاد المرء إلى حال اليقظة، وجد في نفسه خفة وراحة ومن شأن هذا الإنسان: أنه إذا حمل الحمل الثقيل، مسه من ذلك فتور وكلال لا يزول عنه ساعة ما يضع الحمل عن نفسه؛ بل يبقى ذلك الكلال فيه إلى مدة، فمن تدبر في أمر النوم، دله على عظيم شأنه وعجائب تدبيره.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا (١٠) فهذا اللباس لباس الأعين لا غير؛ ألا ترى أنه لا يستغنى بلباس الليل عما أخذ عليه من اللباس للصلاة، ولا يعمل لباس الليل عمل اللباس المعروف في دفع أذى البرد والحر.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: اللباس: السكن؛ كما قال في آية أخرى: (وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا)، وكأن الذي حملهم على هذا التأويل هو أن تمام السكن والراحة يقع بالنوم؛ فصرفوه إليه.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا (١١) أي: يتعيش فيه، لا أن يكون نفسه معاشا، كما سماه: مبصرا؛ لما يبصر به، لا أنه في نفسه مبصرا.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعًا شِدَادًا (١٢) أي: السماوات، فذكرهم؛ هذا لينبههم على قدرته وسلطانه؛ فعرفوا أنه فعال لما يريد، قادر على ما يشاء.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَجَعَلْنَا سِرَاجًا وَهَّاجًا (١٣) فكان السراج هو الشمس هاهنا، جعلها تتوهج وتتلألأ ما بين السماء والأرض.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَأَنْزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ مَاءً ثَجَّاجًا (١٤) منهم من ذكر أن المعصرات هي السحاب التي أنشئ فيها القطر؛ يقال للجارية التي قد دنت حيضتها: معصرة، فشبه السحاب بمعاصر الجواري.
وقيل: سمى السحاب: معصرا؛ لأنه يعصر المطر.
وقيل: هي ذوات الأعاصير؛ يعني: الرياح، كقوله: (فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ)، أي: ريح.