بصره على شيء فشيء؛ رجاء أن يستدرك ما فيه خلاصه وسلامته من ذلك الأمر، ثم ينقطع عنهم التدبير في ذلك اليوم؛ فتكون القلوب هواء لا تقر في موضع، ولا تقف على تدبير؛ لشدة ما حل بهم، وتكون الأبصار خاشعة ذليلة إلى ما يدعو الداعي.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (يَقُولُونَ أَإِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحَافِرَةِ (١٠) أي: يقولون: أئنا لنرد إلى ما كنا عليه في الدنيا في ابتداء الأمر خلقا جديدا؛ يقال: أتى فلان فلانا، فرجع على حافرته؛ يقول: على مجيئه الأول.
ويقال: النقد عند الحافرة؛ أي: عند أول البيع والكلام، فقالوا هذا على جهة الإنكار بالبعث والاستهزاء به.
قال أبو بكر: هذا مأخوذ من حافر الدابة، وهو أن الفارس يمكنه أن يصرفها بحافرتها إلى الموضع الذي ابتدأ السير منه من وراء.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (أَإِذَا كُنَّا عِظَامًا نَخِرَةً (١١) و (ناخرة)؛ فالناخرة: هي البالية التي لم تفتت بعد، والنخرة هي التي صارت رفاتا ودرست حتى تنسفها الريح.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (قَالُوا تِلْكَ إِذًا كَرَّةٌ خَاسِرَةٌ (١٢) قال الحسن وأبو بكر: هذا منهم تكذيب البعث؛ أي: لا يكون أبدا.
وقال غيرهما: معناه: أن لو كانت كرة كما يزعمها المسلمون فهي كرة خاسرة على المسلمين؛ لأنهم ظنوا أنهم إذا كانوا في الدنيا أنعم حالا وأرغد عيشا، وكان المسلمون في ضيق من العيش وشدة من الحال - أن يكونوا كذلك في الآخرة؛ ألا ترى إلى قوله - تعالى -: (وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِنْهَا مُنْقَلَبًا)، فكانوا يظنون أنهم بما أنعم اللَّه - تعالى - عليهم إنما أنعم؛ لأنهم أقرب منزلة، وأعظم درجة من المؤمنين؛ إذ لا يجوز أن يضيق على أوليائه، ويوسع على أعدائه، فإذا وسع عليهم ظنوا أنهم هم المفضلون في الدنيا والآخرة، وأن من خالفهم هم الأخسرون.
ومنهم من قطع هذا الكلام عن مقالة الكفرة، وزعم أن هذا الوصف راجع إلى الكفرة، فقيل: خاسرة؛ لما خسروا أنفسهم وأموالهم وأهليهم، وخاسرة، أي: مخسرة.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ (١٣) ففيه إخبار عن سرعة كون ذلك الوقت وسهولته على اللَّه تعالى.