يؤمنون بها، ثم أخبرهم أن عليهم حفاظا؛ لأن الذي حملهم على الجهل تركهم الإنصاف من أنفسهم، وإلا لو أنصفوا من أنفسهم، لكان إعطاؤهم النصفة يوصلهم إلى تدارك الحق ومعرفة ما عليهم من الواجب.
ثم قد ذكرنا أن المرء إذا كان عليه حافظٌ، أداه ذلك إلى المراقبة؛ فيرتدع عن تعاطي ما يؤخذ عليه، فنبهنا أن علينا حفاظا؛ ليحتشم عنهم، ولا يأتي من الأمور ما يسوءهم، ووصف أنهم كرام؛ ليصحبهم صحبة الكرام، ومن صحبة الكرام أن يحترمهم، ويتقي مخالفتهم، ولا يتعاطى ما يسوءهم، وذلك قوله: (كِرَامًا كَاتِبِينَ (١١).
وفي ذكر الكرام فائدة أخرى، وذلك أن قوله: (كِرَامًا كَاتِبِينَ)، أي: كرام على الله تعالى، والكريم على اللَّه - تعالى - هو المتقي؛ قال اللَّه - تعالى -: (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ)؛ فيكون فيه أمان لهم: أنهم لا يزيدون، ولا ينقصون في الكتابة، وإنما يكتبون على قدر أعمالهم، كما ذكرنا من الفائدة في وصف جبريل - عليه السلام - بالقوة والأمانة.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ (١٢) فهو يحتمل وجهين:
أحدهما: أنهم يعلمون ما نفعله قبل أن نفعل بما عرفهم اللَّه - تعالى - فيكون في تعريفه إياهم إلزام الحجة عليهم، ويكون الذي يكتبون امتحانا امتحنوا به؛ إذ قد فوض إلى بعضهم أمر كتابة الأعمال، وإلى البعض إرسال الأمطار، ونحو ذلك.
أو (يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ) وقت فعلكم جهة الفعل من خير أو شر؛ فيكون لفعل الخير آثار بها يعرفون أن الفاعل قصد به جهة الخير، ويكون لفعل الشر آثار بها يعرفون ذلك أيضا.
ثم عُذْر المسلمين في ترك المراقبة أقل من عذر المكذبين بالدِّين؛ لأن المسلمين علموا أن عليهم حفاظا يحفظون عليهم أعمالهم، ويكتبونها عليهم، ثم هم مع ذلك يغفلون، ولا يصحبونهم صحبة الكرام، ويتركون التيقظ والتبصر، والكفرة ينكرون أن يكون عليهم حفاظ، ومن كان هذا حاله فالإغفال من مثله غير مستبعد.