رينا، ثم يرتقي إلى الطبع إلى أن يصير كالقفل على القلب، وفي هذا دليل على أن لله تعالى تدبيرًا وصنعا في أفعال العباد؛ لأنه أنشأ للكفر ظلمة في القلب حتى تمنعه تلك الظلمة عن درك الخيرات ونور الإيمان؛ إذ كل من اعتقد الكفر فهو ليس يعتقده؛ ليمنعه عن درك الأنوار، وإذا لم يوجد منه هذا، ثبت أنه صار كذلك بتدبير اللَّه - تعالى - وصنعه؛ إذ لا يجوز أن تحدث الظلمة في القلب إلا بمحدث لها، وإذا انتفى الصنع من الكافر ثبت أنه بتدبير اللَّه - تعالى - ما صار كذلك، وأنه أنشأه مظلما، والله الموفق.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ (١٥) اختلف في قوله: (يَوْمَئِذٍ).
فذكر أبو بكر الأصم: أن هذا في الدنيا، يقول: إنهم حجبوا عن عبادة ربهم بما عبدوا غير اللَّه تعالى؛ فصارت عبادتهم غير اللَّه حجابا من عبادته.
وذكر أهل التفسير: أن هذا في الآخرة.
ثم منهم من يقول: إنهم حجبوا عن لقاء ربهم، وأوجبوا بهذا القول الرؤية للمؤمنين.
ومنهم من يقول: هم محجوبون، أي: عن كرامته التي أعدها لأوليائه، وعن رحمته، فعوقبوا بالحجب عن ذلك؛ جزاء لصنيعهم؛ لأنهم في الدنيا ضيعوا نعم اللَّه - تعالى - فلم يقبلوها بالشكر، ولم يؤمنوا برسوله الذي بعثه رحمة للعالمين؛ فأبلسوا من رحمته وكرامته في الآخرة؛ عقوبة لهم ومجازاة، وهو كقوله تعالى: (نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ)، أي: جعلهم كالشيء المنسي الذي لا يعبأ به؛ فعلى ما وجد منهم من المعاملة لآياته وحججه بتركهم الالتفات إليها عوملوا بمثله في الآخرة.
وقال في آية أخرى: (قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا).
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصَالُو الْجَحِيمِ (١٦) من صرف الحجب إلى الدنيا، فهو يقول: ثم إنهم يصلون الجحيم بعدما عبدوا غير اللَّه تعالى، وحجبوا عن عبادته.
ومن صرف التأويل إلى أمر الآخرة، فهو يقول: إنهم يصلون الجحيم بعدما يظهر فيهم من أثر الحجاب من سواد الوجوه، وإعطاء الكتاب بشمالهم ومن وراء ظهورهم.