في الآخرة على ما هي عليه رغبتهم في الدنيا وإيثارهم لها، والمرء يرغب في الوجهين اللذين ذكرناهما في الدنيا؛ فعلى مثله جرى الوعد في الآخرة، وكذلك يرغب في الأكواب والنمارق المصفوفة والزرابي المبثوثة؛ فوعد لهم مثلها في الآخرة.
وقال في موضع: (وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ)، ورفعها يكون من الوجهين اللذين ذكرناهما في السرر؛ فوعدوا بها - أيضا - في الآخرة؛ ليرغبهم بها في الدنيا.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَأَكْوَابٌ مَوْضُوعَةٌ (١٤) الأكواب هي الكيزان التي لا عرا لها؛ فإما أن يكون وصفا لكبر تلك الأكواب في أنفسها حيث لا عرا لها كالحباب في الدنيا.
أو يكون لهم خدم وولدان يتولون نقلها إلى أين أحبوا، وليست لها عرا يمدون أيديهم إليها فيرفعونها.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَنَمَارِقُ مَصْفُوفَةٌ (١٥) قيل: هي الوسائد وضعت على البسط، وكذلك تبسط الوسائد في الدنيا؛ فرغبوا كذلك في الآخرة.
* * *
قوله تعالى: (أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ (١٧) وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ (١٨) وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ (١٩) وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ (٢٠) فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ (٢١) لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ (٢٢) إِلَّا مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ (٢٣) فَيُعَذِّبُهُ اللَّهُ الْعَذَابَ الْأَكْبَرَ (٢٤) إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ (٢٥) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ (٢٦).
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ. . .) إلى قوله: (وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ): خص الإبل بالذكر من بين جملة الدواب، وخص السماء والجبال والأرض بالذكر، وتخصيصها يكون لأحد وجهين:
أحدهما: أن الإبل كانت من أخص دواب أهل مكة، عليها كانوا يسافرون، وعليها كانوا ينقلون ما احتاجوا إليه، وهي أيضا -أعني: مكة- منشأة بين الجبال، فكانت لا تفارقهم الجبال، وكانت السماء من فوقهم والأرض من تحتهم؛ فخصت هذه الأشياء با لذكر؛ ليعتبروا بها، ويتدبروا.
ويحتمل وجها آخر: وهو أن المنافع المجعولة في الدواب كلها تجتمع في الإبل؛ لأن منافع الدواب أن ينتفع بطهرها وبضرعها وبصوفها وبلحمها ونسلها، فكل ذلك يوجد في