وجائز ألا يثبت الإهانة منهم مع نفي الإكرام؛ لأن الإيجاب إذا ذكر في مضادة الإيجاب اقتضى ذلك إثبات المقابلة وإذا ذكر الإيجاب في مضادة النفي، أمكن أن تثبت فيه المقابلة، وأمكن ألا تثبت؛ ألا ترى: أنه إذا قيل: فلان جائر، كان فيه إثبات المقابلة وهي نفي العدل؛ لأن في قوله: " جائر " إثبات الجور؛ فكان في ذكره نفي العدالة، وفيه إثبات المقابلة، وإذا قلت: ليس بعدل، لم يكن فيه تحقيق لإثبات المقابلة وهو الجور، بل يجوز أن يكون جائرًا، ويجوز ألا يكون، وقد يراد بالنفي إثبات المقابلة أيضا؛ قال اللَّه تعالى: (فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ)؛ فكان في نفى الربح إثبات المقابلة في أنها خسرت.
ثم إكرام اليتيم هاهنا يحتمل أوجها ثلاثة:
أحدها: أن يكرمه في أن يحفظ عليه ماله حتى لا يضيعه، ويكرمه في نفسه، وهو أن يتعاهد أحواله عن أن يدخل فيها خلل.
والوجه الثاني: أن يكرمه؛ فيعلمه آداب الشريعة، ويرشده إليها.
والوجه الثالث: أن يكرمه؛ فيبذل له من ماله قدر حاجته إليه، ويصطنع إليه المعروف؛ فيكون التعيير هاهنا في إهانة اليتيم أن يترك الإكرام الذي هو من باب حفظ ماله؛ فيكون تضييعا، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَلَا تَحَاضُّونَ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ (١٨) أي: لا يحثون غيرهم على إطعام المساكين.
وجائز أن يحضوا ولا يتولوا بأنفسهم الإطعام.
ويحتمل ألا يتولوا ذلك بأنفسهم، ويحضوا غيرهم.
ففي هذه الآية ترغيب للمسلمين بإكرام اليتيم وتعاهد ماله، وتبيين أن عليهم أن يطعموا بأنفسهم، وأن يحثوا الأغنياء بإطعام المساكين، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَكْلًا لَمًّا (١٩) فاللم: الجمع؛ يقال: لم المال؛ إذا جمع؛ فكأنه يقول: يجمعون ما لم يرثوه بأنفسهم -وذلك نصيب الأيتام- إلى