والشقاوة في ذلك الوقت؛ ولكن معناه أنه: إذا آثر الشقاوة في حالة الامتحان خلق كذلك، وإذا آثر السعادة فكذلك أيضا.
وقال نوح - عليه السلام -: (وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا)، وهم في وقت ما وُلدوا غير موصوفين بواحد من الوصفين، بل يصيرون كذلك؛ فيتبين أنهم خلقوا لذلك؛ فموقع القسم على ما له يكابد، ليس على المكابدة نفسها؛ لأن المكابدة من الإنسان ظاهرة لا يحتاج إلى تأكيدها بالقسم.
وقولنا: إن المقصود من ابتداء الفعل العاقبة قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - " إذا أردت أمرا فدبر عاقبته، فإن كانت رشدا فأمضه، وإن كانت غيا فانته ".
وزعمت المعتزلة أن اللَّه - تعالى - لم يخلق أحدا من البشر إلا ليعبده، ولو كان الأمر على ما زعموا وظنوا، لأدى ذلك إلى الجهل بالعواقب، أو وجب أن يكون الفعل خارجا مخرج الخطأ؛ لأن كل من صنع أمرا يريد غير الذي يكون جاهلا بالعواقب، أو عابثا بالفعل؛ لأن من يبنى لشيء يعلم أنه لا يكون، عد ذلك منه عبثا، ولو كان غير الذي يريده، وهو أن يبني ليسكن فيه، ثم ينقض قبل أن يسكن، كان الذي حمله على البناء جهله بالعواقب. وجل اللَّه - تعالى - من أن يلحقه خطأ في التدبير أو جهل بالعواقب؛ فثبت بما ذكرنا أن اللَّه - تعالى - شاء لكل فريق ما علم الذي يكون منهم، وخلقهم لذلك الوجه دون أن يكون خلق الجملة للعبادة، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (أَيَحْسَبُ أَنْ لَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ (٥) يَقُولُ أَهْلَكْتُ مَالًا لُبَدًا. أَيَحْسَبُ أَنْ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ):
فالآية تحتمل وجهين:
أحدهما: أن يكون حسب أن اللَّه - تعالى - لا يقدر على بعثه؛ فيكون قوله: (أَحَدٌ) هو اللَّه تعالى.
(يَقُولُ أَهْلَكْتُ مَالًا لُبَدًا (٦) أي: جما. (أَيَحْسَبُ أَنْ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ (٧) أي: أنفقت منه مقدار ما يخرج عن حد الإحصاء.
وقوله: (لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ)، أي: لم يعلم أحد مبلغ ما أنفق من ذلك.