واختيار الأيسر والألذ، ولكنه بفضله ولطفه ثبتك وعصمك، ولم يكلك على ما طبعت وأنشئت في أصل الخلقة؛ فعلى ذلك نقول في قوله: (وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى)، أي: لولا أنه هداك؛ وإلا وجدك ضالا لو لم يهدك، ففيه أنه هداه ولم يجده ضالا.
والثاني: يقول: ووجدك ضالا لا ضلال كسب واختيار، ولكن ضلال الخلقة التي أنشئ عليها الخلق، والضلال بمعنى الجهل؛ لأن الخلق في ابتداء أحوالهم يكونون جهالا، لا جهل كسب يذمون عليه، أو يكون لهم علم يحمدون عليه، ولكن جهل خلقة وضلال خلقة؛ لما ليس معهم آلة درك العلم؛ فلا صنع له في كسب الجهل، فأما بعد الظفر بآلة العلم يكون الجهل مكتسبا؛ فيذم عليه، وكذا العلم؛ فيترتب عليه الحمد والذم؛ فعلى هذا يكون قوله - تعالى -: (وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى)، أي: وجدك جاهلا على ما يكون في أصل الخلقة وحالة الصغر فهداك، أي: علمك، وهو كقوله - تعالى -: (مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا. . .)، وقوله - تعالى -: (وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ. . .)، يذكر أنه لم يكن يدري شيئا حتى أدراه وعلَّمه.
والثالث: يقول: (وَوَجَدَكَ ضَالًّا)، أي: غافلا عن الأنباء المتقدمة وأخبارهم حتى أطلعك اللَّه - تعالى - على ذلك، كقوله: (نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ).
أو يقول: ووجدك في أمر القرآن أو ما فيه جاهلا غافلا عن علم ذلك، فأعلمك.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: (وَوَجَدَكَ ضَالًّا)، أي: وجدك بين قوم ضلال فهداك، أي: أخرجك من بينهم ما لو لم يخرجك من بين أظهرهم، لدعوك إلى ما هم عليه، ويجبرونك على ذلك، ولم يرضوا منك إلا ذلك، واللَّه أعلم.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: (وَوَجَدَكَ ضَالًّا) من طريق مكة فهداك الطريق.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: (وَوَجَدَكَ ضَالًّا) حقيقة الضلال، فهداك للتوحيد.
لكن هذا وخش من القول؛ إذ لا يليق به أن ينسب إلى ذلك.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: (وَوَجَدَكَ ضَالًّا) عن النبوة أي: جاهلا، فهداك للنبوة، وهو قريب مما ذكرناه.