نحن بصددها تحديدًا، عصر الماتريدي.
ولا ريب أن تدوين القراءات وتأصيل مسائلها عاملٌ مهم أورث حركة التشريع الإسلامي شيئًا غير قليل من القوة والازدهار.
٢ - علم التفسير:
سيأتي بمشيئة اللَّه تعالى الكلام عن بيان مفهوم علم التفسير عند الحديث عن التفسير ومناهج المفسرين وكذلك سيأتي الحديث عن نشأة علم التفسير وتطوره، إلا أننا نقول هاهنا في عجالة سريعة إن علم التفسير نشأ في أول أمره فرعًا من فروع الحديث، حيث كان النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - يفسر القرآن لأصحابه ويبين لهم معانيه الخافية عنهم، ثم عني الصحابة من بعده بتفسير القرآن، وأُثِرَتْ عنهم آراء كثيرة في التفسير وأقوال كانت أساسًا صالحًا قامت عليه المدارس التفسيرية فيما بعد.
وقد تطور علم التفسير في عصر التابعين، فجاءت طبقة جمعت الأقوال التفسيرية المأثورة عن الصحابة والتابعين، شأنهم في ذلك شأن المحدثين، كما رحل بعض العلماء لجمع روايات التفسير من الأمصار المختلفة.
ولم يلبث علم التفسير أن انفصل عن علم الحديث، في العصر العباسي، وقام المفسرون بترتيب الروايات التفسيرية وفق ترتيب السور والآيات، ويذكر ابن النديم: أن عمر بن بكير كان من أصحاب الفراء صاحب كتاب " معاني القرآن " المتوفى سنة ٢٠٧ هـ، وكان منقطعًا إلى الحسن بن سهل، فكتب إلى الفراء أن الأمير الحسن بن سهل ربما سألني عن الشيء بعد الشيء من القرآن فلا يحضرني فيه جواب، فإن رأيت أن تجمع لي أصولاً أو تجعل في ذلك كتابًا أرجع إليه، فقام الفراء بذلك فوضع كتابًا في التفسير.
ثم وضع ابن جرير الطبري بعد ذلك تفسيرًا، عمادُه الروايات التفسيرية المأثورة عن الصحابة والتابعين، بيد أنه أضاف إلى تفسيره شيئًا من التفسير بالرأي.
فمنذ ذلك التاريخ غدا القرآن الكريم معينًا خصبًا لكثير من العلوم، فعلماء النحو اعتمدوا عليه في استنباط القواعد النحوية، وألفوا كتبًا في إعراب المشكل من آياته، وعني أهل اللغة بتفسير مفرداته وشرح معانيه، كما عَوَّل عليه الفقهاء في بناء آرائهم وتأسيس مذاهبهم الفقهية، وصنفت كتب في تفسير آيات الأحكام، وأخذ العلماء يفسرون القرآن،