ثم الذي وقع به القسم قوله - تعالى -: (إِنَّ الْإِنْسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ (٦) أي: الإنسان لنعم ربه لكفور، لا يشكرها، وهو أن الإنسان يذكر مصائبه وما يصيبه من الشدة في عمره أبدا، وينسى جميع ما أنعم اللَّه عليه، وإن لا يفارقه طرفة عين؛ ولذلك قال الحسن: الكنود: هو الذي يعد المصائب وينسى النعم.
وقيل: الكنود: القتور البخيل الشحيح في الإنفاق، ويجب أن يكون وصف كل إنسان ما ذكر، لكن المؤمن يتكلف شكر نعم اللَّه - تعالى - ويجتهد في ذلك، ويصبر على المصائب، وهو كقوله - تعالى -: (إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا)، وخلق (عَجُولًا)، هو كل إنسان، ثم استثنى المصلين منهم، وهم المؤمنون؛ أي: كذلك خلق وطبع كل إنسان، لكن المؤمن يتكلف إخراج نفسه من ذلك الطبع الذي أنشئ عليه، وطبع إلى غيرها من الطبائع؛ كالبهائم والسباع التي طبعها النفور من الناس بالاستيحاش عنهم، ثم تصير بالرياضة ما تستقر عندهم وتجيبهم عند دعوتهم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَإِنَّهُ عَلَى ذَلِكَ لَشَهِيدٌ (٧) قَالَ بَعْضُهُمْ: إن ذلك الإنسان على ما فعله في الدنيا لشهيد في الآخرة على ما جمعه؛ أي: يشهد ذلك ويعلمه؛ كقوله: (بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ).
وقَالَ بَعْضُهُمْ: (وَإِنَّهُ)، أي: ذلك الإنسان لبخله وامتناعه عن الإنفاق (لَشَهِيدٌ)، أي: يتولى حفظ ماله وإحصاءه بنفسه، لا يثق بغيره.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: (وَإِنَّهُ) ويعني: الله تعالى (عَلَى ذَلِكَ لَشَهِيدٌ) أي: عالم، يحصيه؛ ويحفظه، كقوله: (لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا. . .).
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ (٨) أي: ذلك الإنسان لشديد الحب للمال، فذكر بخله، وشحه في المال، في ترك الإنفاق والبذل، وعلى ذلك طبع كل إنسان؛ على ما ذكرنا، لكن المؤمن يتكلف إخراج نفسه مما طبع بالرياضة، ويجتهد في الإنفاق، والحب هاهنا: حب إيثار، أي: يؤثر لنفسه.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (أَفَلَا يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ (٩) يقول - واللَّه أعلم -: فهلا