سُورَةُ الْقَارِعَةِ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قوله تعالى: (الْقَارِعَةُ (١) مَا الْقَارِعَةُ (٢) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْقَارِعَةُ (٣) يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ. وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ (٥) فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ (٦) فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ (٧) وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ (٨) فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ (٩) وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ (١٠) نَارٌ حَامِيَةٌ (١١).
قوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (الْقَارِعَةُ) قال: القارعة عندهم هي الداهية الشديدة من الأمور، وهي في هذا الموضع وصف لشدة هول يوم القيامة، وهو من اللَّه - تعالى - تذكير لعباده، وتعجيب لهم عما يكون في ذلك اليوم من الأهوال في الأحوال والأفعال وسمى اللَّه - تعالى - في كتابه ذلك اليوم بما يكون فيه من اختلاف الأحوال، نحو قوله: (الْحَاقَّةُ)، و (الْوَاقِعَةُ)، وما أشبه ذلك، فكذلك قوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (الْقَارِعَةُ) تذكير لهم بما وصف من حال ذلك اليوم وشدته؛ ليتفكروا في العواقب، ويتدبروا ما يستقبلهم في الأواخر من العذاب؛ فيمتنعوا بذلك عما نهاهم اللَّه - تعالى - عنه.
ثم إن اللَّه - تعالى - خلق في بني آدم نفسا يدرك بها الشهوات واللذات في الدنيا، وعقلا يتذكر به عواقب الأمور وأواخرها، ويزيده ذلك تيقظا وتبصرا، ثم العقل مرة يدعوه إلى نفسه حتى يميل إلى ما يدعوه في جزاء ما أطمع في العاقبة، والنفس مرة تدعوه إليها؛ فيصير هواه وميله فيما يتلذذ به من الشهوات في دنياه، وعلى ذلك تأويل قوله: (وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي. . .)، أي: يرحمه ويعصمه عن اختيار السوء.
أو رحمه حتى جعل هواه فيما توجبه العواقب من الجزاء والثواب؛ فلذلك ذكر اللَّه - تعالى - عباده بما يستقبلهم من الأهوال في ذلك اليوم؛ ليعملوا عقولهم في أفكاره، والتذكر عنه؛ فيزدجروا عما زجرهم عنه.
أو يتذكروا ما وعد لهم من الجزاء في ذلك اليوم؛ فيزدادوا بذلك حرصا في الخيرات.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ (٤) اختلفوا في تأويله من