أفعال لمكان ما يقع بها، وإن لم يكن الواقع في الحقيقة لهم؛ فعلى ذلك التعوذ من شر خلقه، وهو التمكين واللَّه الموفق والمعين.
وفي هذا تعلق بعض من يقول بأن القوة تسبق الفعل: أنه لو لم يكن له قوة على الشر كيف كان يتعوذ من شر من لا يقوى عليه؟.
والجواب من وجهين:
أحدهما: أن التعوذ يكون بما سيفعل بما يملك هو ما يقع لديه الفعل، وهو الآلات السليمة والقدر تحدث تباعًا على حدوث الأفعال، وتحدث لما يختار هو؛ فصارت القدرة في كونها لما يختار؛ ككون ما يختار من الفعل بالاختيار بحدوث القدرة حالة الفعل؛ فيتعوذ منه؛ لعلمه أن الذي به كأنه في يده.
والثاني: أن قد جرت العادة بالعلم بما يقع في المتعارف: كالعلم بما هو واقع في الرغبة والرهبة؛ ألا ترى أنه يتعوذ من ظلم الجبابرة والظلمة، على ما بينهم من بعد الأمكنة وطول المدد؛ لإمكان الوصول بما اعتيد منهم بلوغ أمثال ذلك، وإن كانت القدرة على الظلم في حقه للحال معدومة، لا تبقى في مثل هذه المدة؛ فعلى ذلك الأمر الأول:
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ (٣) اختلف فيه:
قيل: الغاسق: هو الليل المظلم: والغسق الظلمة.
وقيل: سمي الليل: غاسقا؛ لأن الغاسق: البارد، قال اللَّه تعالى: (لَا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْدًا وَلَا شَرَابًا (٢٤) إِلَّا حَمِيمًا وَغَسَّاقًا (٢٥) جَزَاءً وِفَاقًا)، والليل أبرد من النهار؛ لذلك سمي: غاسقا.
والأصل في هذا: أن الذي ذكر لا يكون منه ضرر يتعوذ منه، لكنه يرجع إلى من كان في ظلمة الليل، أو في نور القمر من الذي يأتي منه المضار، ومعلوم أن من الشرور ما لا يمكن منها إلا في ظلمة الليل، ومنها في الليالي لا يمكن إلا بنور القمر؛ فأمر بالتعوذ مما يكون فيها، لا أن يكون منها، وهو كقوله - تعالى -: (وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا)، لما يقع به الإبصار؛ لا أنه يقع منه ذلك.
وهذا - واللَّه أعلم - ليس على تخصيص الليل بذلك؛ لأنه ليس له فعل الضر، لكن قد يعرض به الإمكان من الشر؛ لما المعلوم أن من الشرور ما لا يمكن منها إلا في ظلمة