ورُويَ عن عائشة، رضيَ اللَّهُ تعالى عنها، أن رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - قال: " لا تسموا شهر رمضان رمضان، فإنما هو اسم من أسماء اللَّه تعالى. انسبوه إلى ما نسبه لكم القرآن ".
وقوله: (فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ).
أضاف عَزَّ وَجَلَّ الفعل إلى الشهر بقوله: (فَلْيَصُمْهُ)؛ فلذلك إذا قصد به صوم الشهر جائز الصوم وإن لم ينو الفرض سوى ما ذكرنا. وكذلك سائر الفرائض نحو الظهر والعصر ينوي ذلك، فيكون ذلك على ما جعله اللَّه من فرض وإن لم ينو الفرض. ولا قوة إلا باللَّه.
وعلى ذلك من نوى بالصيام غير صيام الشهر جائز عن صيام الشهر، لما أمرنا بصيام الشهر ولم نؤمر بأن نجعل ذلك لشيء سواه، والشهر موجود لنفسه لا يحتاج صاحبه إلى أن يوجده كان من ذلك على كل حال. وكذلك كل حق معين في شيء لم يزل عنه نيته إلى غيره؛ كمن يأمر إنسانًا بشراء شيء بعينه لم يتحول عنه بالنية، على أن ذلك كالظهر والعصر ونحو ذلك؛ فيحال على تحقيق ذلك قصد غير، وبعد فإن كلا يجمع ألا يجوز غير؛ فثبت أن استحقاق الشهر بصومه لا يستحق عليه غيره من الصيام فجاز عنه.
وعلى ذلك أجاز أبو حنيفة في السفر غيره، من حيث أذن له في تأخير هذا، أو غيره فرض عليه نحو صوم الظهار والقتل، ولا رخصة له في تأخيره، فجاز فيه؛ إذ هو وقت صيام حول إلى وقت غيره، فصار هذا الوقت بالحكم لغيره، وليس كنية المتطوع؛ لأنه في موضع الرخصة وفي العمل به وقد يكون له مقدار التطوع من الفضل على غيره فهو أولى به. ولما قد يجوز النفل بلا نية نفل، فكأنه لم ينو النفل. فهو رجل لم يعمل برخصة الله بل عمل بوجه العزم. ولا قوة إلا باللَّه.
وقوله: (لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ).
قيل: (تَتَّقُونَ) الأكل والشرب والجماع.
ويحتمل: (تَتَّقُونَ) المعاصي؛ لأن النفس إذا جاعت شبعت عن جميع ما تهوى