وقال قوم: (وَالْفِتْنَةُ) هاهنا العذاب، أي: قاتلوا حتى لا يقدروا عليه كفار.
وقوله: (وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ).
أي: ليكون (الدِّينُ) دين اللَّه في الأرض لا الشرك. و (الدِّينُ): الحكم.
وقوله: (فَإِنِ انْتَهَوْا فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ).
فَإِنْ قِيلَ: فإذا صار الدِّين كله لله، فلا ظالم هنالك، فما معنى هذا الكلام؟
قيل: يحتمل: أن لا عدوان إلا على الظالم الذي أحدث الظلم من بعد.
ويحتمل: أن لا عدوان إلا على من بقي منهم مع الظلم.
فَإِنْ قِيلَ: فلم سمي عدوانًا، والعدوان هو ما لا يحل؟
قيل: لأنه جزاء العدوان، وإن لم يكن هو في الحقيقة عدوانا، فسمي باسمه كما سمي جزاء السيئة سيئة وإن لم يكن هو سيئة في الحقيقة؛ كقوله: (وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا) وكما سمي جزاء الاعتداء اعتداء وإن لم يكن هو في الحقيقة اعتداء؛ فكذلك الأول.
وقوله: (الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ (١٩٤)
قيل: خرج النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - في الشهر الحرام يريد مكة فصده المشركون عن دخولها، فجاء من عام قابل في الشهر الحرام فدخلها وأقام ثلاثًا، وقضى عمرته التي فاتته في العام الأول، فسميت عمرة القضاء، فذلك تأويل قوله: (وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ)، هذه الثانية صارت قصاصًا بالأول.
وقيل: إن في الجاهلية كانوا يعظمون الشهر الحرام، ولا يقاتلون فيه، فلما أن ظهر الإسلام عظمه أهل الإسلام أيضًا، ولم يقاتلوا فيه، حتى جعل الكفار يغيرون على أهل الإسلام ويستنصرون عليهم، حتى نسخ ذلك وأمروا بالقتال فيه بقوله: (وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا)، كأنه قال: ما هتكتم من حرمة الشهر قصاص لما هتكوا.
وقوله: (فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ).
قد ذكرنا هذا فيما تقدم.
وقوله: (وَاتَّقُوا اللَّهَ).
يحتمل: (وَاتَّقُوا) مخالفة اللَّه.