أعلم.
وبعد، فإنا نقول: أكثر ما في ذلك أن يكون في ذلك النهي عن تزوج الإماء من أهل الكتاب، فإن النهي في ذلك لا يدل على الحرمة؛ لأنه معلوم المعنى الذي له يقع النهي عن نكاح الإماء -أنه لمكان رق الأولاد، ولمكان مخالطة الإماء الرجال وخلوتهن بالموالي- وذلك مما ينفر عنه الطباع، ثم كان النساء الزانيات جميع ذلك فيهن موجود، والنهي قائم، وقد يلحق أولادهن أعظم الشين الذي يضعف على الرق، ثم لم يمنع النهي جواز نكاحهن بما هو نهي نفار الطباع، لا معنى في ذلك له بكون الحرمة؛ فمثله أمر الإماء. واللَّه الموفق.
ثم دليل حلهن: أن كل امرأة حرمت لنفسها، فسواء وجه الحل بها في ملك اليمين والنكاح، وكل امرأة كانت حرمتها بالحق فيختلف فيها المكان، فإذا كانت هذه محللة بملك اليمين ثبت أنها لم تحرم لنفسها، فهي تحل بالنكاح كما تحل بملك اليمين. على هذا الأصل أمر المجوسيات والمحارم ونحوها. واللَّه أعلم.
وقال قوم: الآية في جميع المشركات والكتابيات، ثم نسخت الكتابيات بالآية التي في سورة المائدة، وكان النسخ بشرط الإحصان، فبقيت الإماء على الحرمة. دليل ذلك وجهان:
أحدهما: قوله تعالى: (وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ)، أنه يدخل في ذلك الكتابي وغيره؛ فكذا في الأول.
والثاني: قوله تعالى: (أُولَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ. . .) الآية.
والثالث: أن الكتابي مشرك في الحقيقة، إذ هو بما لا يغفر له، والكتابي في الدعاء إليها وغيره سواء؛ فلذلك كان على ما ذكرت.
فنحن نقول في ذلك - وباللَّه التوفيق -: ليس فيما ذكم دليل على ما ادعى؛ لأنه جائز خروج آية واحدة في أمرين يختلف موقعهما من الخصوص والعموم بالدليل نحو قوله: (مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ وَلَا يَرْغَبُوا