وأما الاعتزال عن الإماء وملك اليمين فإنه لا بأس؛ لأنه لا يطلب النسل من الإماء في المتعارف؛ لذلك لم يكره، ولأن في إحبالهن إتلافًا، وللرجل ألا يتلف ملكه؛ لذلك افترقا. واللَّه أعلم.
والأصل: أن الشهوات مجعولة لما بها إمكان قضاء الحاجات التي يقضي بها جرى تدبير العالم، وبه يكون دوام النسل، وبقاء الأبدان، الحاجة لا تحتمل الوقوع في الأدبار؛ لذلك لم يجعل فيها.
وقوله: (وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ).
قيل فيه بوجهين:
قيل: (وَقَدِّمُوا) العمل الصالح.
وقيل: (وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ) من الولد تحفظونه عند الزيغ عما لا يجب.
وقوله: (وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلَاقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ).
يحتمل قوله: (أَنَّكُمْ مُلَاقُوهُ)، أي: ما قدمتم من العمل الصالح فتجزون على ذلك؛ كقوله: (وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ).
ويحتمل: (أَنَّكُمْ مُلَاقُوهُ)، أي: ملاقو ربكم بوعده ووعيده.
* * *
قوله تعالى: (وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (٢٢٤) لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ (٢٢٥) لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٢٢٦) وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (٢٢٧).
وقوله: (وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ).
قيل: كان الرجل يحلف ألا يصنع المعروف، ولا يبر، ولا يصلح بين الناس، فإذا أمر بذلك، قال: إِنِّي حلفت على ذلك، فنهوا عن ذلك، يقول: لا تحلفوا على أمر هو لي معصية ألا تصلوا القرابة، وألا تبروا، وألا تصلحوا بين الناس، وصلة القرابة خير لكم من الوفاء باليمين في معصية اللَّه تعالى. و " العرضة " العلة، يقول: لا تعللوا، أي: لا يمنعكم أن تبروا أو ما ذكر.