قرأ: " فإن فاءوا فيهن "، يعني في الأربعة الأشهر، ففي غير ذلك حكم النهي له آخذ. والله أعلم.
وقوله: (وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ (٢٢٧)
كقوله: (وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا). وليس ذلك على إحداثه بعد مضي المدة، كذلك الأول. واللَّه أعلم.
ثم اختلف فيه على وجوه:
قال ابن مسعود - رضي اللَّه تعالى عنه -: الإيلاء على يوم فقط، وأما التربص بأربعة أشهر؛ لأنه لم يذكر في الكتاب للإيلاء مدة، وإنما ذكر المدة للتربص.
وقال ابن عَبَّاسٍ - رضي اللَّه تعالى عنه -: الإيلاء على الأبد، ذهب في ذلك إلى أن الإيلاء كان طلاق القوم، والطلاق يقع إلى الأبد.
وقال آخرون: من ترك القربان في حال الغضب مُولٍ، وإن لم يحلف. لكن هذا ليس بشيء؛ لأن اللَّه تعالى ذكر الإيلاء، والإيلاء هي اليمين. دليله ما ذكرنا من حرف ابن مسعود وابن عَبَّاسٍ: (للذين يقسمون)؛ فدل هذا أن حكم الإيلاء لا يلزم إلا باليمين على ترك القربان.
ورُويَ عن عليٍّ بن أبي طالب - رضي اللَّه تعالى عنه -: أن رجلا سأله - أنه حلف ألا يقرب امرأته سنتين. فقال: هو إيلاء، وأنها تبين إذا مضت أربعة أشهر. فقال: إنما حلفت ذلك لمكان ولدي. فقال: لا يكون إيلاء. فرأى في ذلك إيلاء إذا كان عاصيًا وإذا كان إيلاؤه هو ترك قربانه إياها بمكان الولد لم ير ذلك إيلاء. ثم لا يجوز أن يحمل ما حمل هَؤُلَاءِ. أما ما حمل علي بن أبي طالب، رضي اللَّه تعالى عنه، واعتباره بالعصيان وغير العصيان، فالإيلاء هو اليمين، والأيمان لا يختلف وجوبها ووجوب أحكامهما في حال العصيان وفي حال الطاعة. فعلى ذلك حكم الإيلاء.
ولو حمل على ما حمل ابن مسعود، رضيَ اللَّهُ تعالى عنه، لكان لا يبقى الإيلاء بعد مضي اليوم، فإذا لم يكن يمين بعد اليوم لم يبق حكمها.