اللَّه لا يحب كل ذواق مطلاق "؛ وذلك لقصده الفراق بالنكاح، إذ النكاح بني في الأصل على البقاء والدوام عليه، وفيه التعفف، وفي الطلاق زوال ما به يقصد؛ فلهذا لحقه ما لحقه من اللعن.
ثم المحلَّل له لما طلب بنكاح الزوج الثاني ما ينفر عنه الطباع ويكرهه من عودها إليه بعد مضاجعة غيره إياها، واستمتاعه بها منع لهذا المعنى عن إيقاع الثالثة، لكن إذا تفكر حرمتها عليه إلا بنكاح آخر، انزجر عن ذلك.
ثم العقد نفسه لا ينفر عنه الطباع ولا يكرهه؛ ثبت أن الدخول شرط فيه ليكون زجرًا ومنعًا عن ارتكابه.
وقوله: (فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا)، يخرج على الترخيص؛ وذلك - واللَّه أعلم - أن الطلاق يحرمها عليه ويبينها منه كما تحرم عليه هي بأنواع الحرم يحرم فأخبر - عز وجل - وأباح له النكاح بعد وقوع الحرمة - أن هذه الحرمة ليست كغيرها من الحرم التي لا ترتفع أبدًا. واللَّه أعلم.
* * *
قوله تعالى: (وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَلَا تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (٢٣١) وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ ذَلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ مِنْكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكُمْ أَزْكَى لَكُمْ وَأَطْهَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (٢٣٢)
وقوله: (وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ)
وقال عَزَّ وَجَلَّ: (وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ)، ذكر في الآية الأولى (الإمساك)، والإمساك المعروف: هو إمساكها على ما كان من الملك. وذكر في الآية الأخيرة (الرد)، والرد لا يكون إلا بعد الخروج من الملك. هذا هو الظاهر في الآية. لكن بعض أهل العلم يقولون: إنه يمسكها على الملك الأول ويردها من الحرمة إلى الحل؛ لأن من مذهبهم: أن الطلاق يوجب الحرمة، ولا يخرجها من ملكه. وهذا جائز أن يحرم المرأة على زوجها وهى بعد في ملكه. فإذا كان كذلك فأمر بالإمساك على الملك الأول وبالرد من الحرمة إلى الحل. وهو قول أهل المدينة أي يردها من العدة إلى ما لا عدة، ويمسكها بلا عدة.
وأما عندنا: فهو واحد بحدث الإمساك، دليله قوله: (وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا)،
ولو لم يكن الإمساك سوى القصد إليه، لكان لم يكن بالقصد إليها مضرًّا.
وهو فيما أمر بالإمساك بالمعروف فيه وجهان: