ولا قوة إلا باللَّه.
* * *
قوله تعالى: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ (٢٤٣) وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (٢٤٤) مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (٢٤٥).
وقوله: (أَلَمْ تَرَ)، حرف تعجب وتنبيه، ليتأمل فيما يلقى إليه مما أريد الإنباء عنه، أو فيما قد كان سبق الإنباء عنه، ليتجدد بالنظر فيه عهدا. وعلى ذلك المعروف من استعمال هذه الكلمة، وكذلك وجه تأويله إلى الخبر مرة وإلى العلم به ثانية، وإلى النظر فيه ثالثاً، على اختلاف ما قيل. وفيه كل ذلك. واللَّه تعالى أعلم.
قوله: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ)، " ألم تخبر "،
و" ألم تنظر "، ومثل هذا إنما يقال عن أعجوبة.
فالقصد فيه - واللَّه تعالى أعلم - أنه جواب قوله: (لَوْ كَانُوا عِنْدَنَا مَا مَاتُوا وَمَا قُتِلُوا)، أخبرهم اللَّه عَزَّ وَجَلَّ عن قصة هَؤُلَاءِ: أن جهلهم بآجال أُولَئِكَ حملهم على هذا القول؛ مثل جهل بني إسرائيل بآجالهم حملهم على الخروج من ديارهم حذر الموت، ثم لم ينفعهم ذلك بل أُميتوا. كذلك هذا.
ثم اختلف في قصة هذه:
قَالَ بَعْضُهُمْ: أخرجوا فرارًا من الجهاد في سبيل اللَّه، فأماتهم اللَّه، ثم أحياهم، وأمرهم أن يخرجوا إلى الجهاد في سبيل اللَّه.
وقال آخرون: وقع الطاعون في قريتهم، فخرج أناس وبقي أناس، فمن خرج أكبر ممن بقي، فنجا الخارجون، وهلك الباقون، فلما كانت الثانية خرجوا بأجمعهم إلا قليلًا، فأماتهم اللَّه، ثم أحياهم.
فلا تدري كيف كانت القصة. فإن كانت القصة في الفرار من الجهاد في سبيل اللَّه، وله نظير في الآيات، قوله تعالى: (قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى