- بالإمامة لعمر على سبيل الترشيح.
وسكن الخلاف ونامت الفتنة في خلافة الشيخين أبي بكر وعمر؛ لأنهما أخذا نفسيهما بالعدل الشامل المطلق في دقيق الأمور وجليلها، وانتصف كل واحد منهما من نفسه قبل أن ينتصف من رعيته، وبلغا من العدل والمساواة بين الناس مبلغًا أرهق من أتى بعدهما إذا رغب أن يحذو حذوهما ولا يخالف سيرتهما.
كما شغل المسلمون آنذاك بقمع المرتدين في داخل الجزيرة العربية، وبالجهاد وفتح الأمصار خارجها لنشر الإسلام وإعلان التوحيد، فغدا المسلمون كما كانوا في العهد النبوي على منهاج واحد ورأي واحد أتاح للدولة أن تزدهر في فترة قصيرة من عمر الحضارة الإنسانية.
الفتنة الكبرى في عهد عثمان وعلي ونشأة الأحزاب السياسية:
ولي الخلافة عثمان بن عفان بعد مقتل عمر بن الخطاب - رضوان اللَّه عليهما - بعد أن أعطى المواثيق والعهود بالنصح للأمة، والالتزام بسنة الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - وسيرة الشيخين أبي بكر وعمر.
ورضي المسلمون على خلافة عثمان في ست السنين الأولى، ثم نقموا منه أمورًا رأوا أنه خالف فيها عن سيرة الشيخين وانحرف عن سنة النبي الكريم.
واستحال الإنكار الهادئ والاعتراض الناصح سخطًا عارمًا عم الأمصار المختلفة، وثورة عنيفة عمد المنخرطون فيها إلى خلع الخليفة عثمان رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
وأفضت الثورة المسلحة إلى مقتل عثمان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، بعد أن حوصر في داره أربعين يومًا منع خلالها من إمامة المسلمين في الصلاة.
وقد فتح مقتل عثمان على المسلمين باب الفتنة واسعًا، وأذكى نيران الخلاف بينهم من جديد، وأورث القلوب والضمائر ضغنًا وسوء ظن كان خليقًا بأن يعصف بالوحدة الإسلامية ويقوض أركانها في هذا الطور الباكر.
ولم يستطع علي بن أبي، طالب -الذي بويع بالخلافة من أغلبية المسلمين- أن يرأب صدع الخلاف وينتاش المسلمين من هوة الفتنة السحيقة التي تردوا فيها.