أن القوم كانوا أرادوا أن يخرجوا إلى عيد لهم، فقالوا لإبراهيم: اخرج معنا حتى تنظر إلى عيدنا. وكان القوم في ذلك الزمان ينظرون إلى النجوم، فينظر أحدهم ويقول: إنه يصيبني كذا وكذا من الأمر، وكان ذلك معروفاً عندهم. وكانوا إذا خرجوا إلى عيدهم لم يخلفوا بعدهم إلا من كان مريضاً، فَنَظَرَ إِبْرَاهِيمَ عليه السلام فِى النجوم فَقالَ إِنِّي سَقِيمٌ الصافات: ٨٩ يعني:
أشتكي غداً. فأصبح من الغد معصوباً رأسه، وخرج القوم إلى عيدهم، ولم يتخلف أحد غيره.
فلما خرج القوم، قال إبراهيم: أما والله لأكيدن أصنامكم. فسمعها رجل منهم فحفظها عليه.
فأخذ إبراهيم فأساً ويقال قدوما، وجاء إلى بيت أصنامهم وقد وضعوا ألوان الطعام بين أيديهم، فإِذا رجعوا من عيدهم، كانوا يرفعون ذلك الطعام ويأكلونه تبركاً. ودخل إبراهيم بيت الأصنام، فرأى ذلك الطعام بين أيديهم، فقال: أَلا تَأْكُلُونَ الصافات: ٩١ فلم يجيبوه، فقال: مَا لَكُمْ لا تَنْطِقُونَ الصافات: ٩٢ فَأَقْبَلَ عَلَيْهِمْ ضَرْباً بِالْيَمِينِ الصافات: ٩٣ ، يعني: جعل يضرب القدم بيده. وقال السدي: قطع رؤوسها كلها. وقال ابن عباس: «كسرها كسراً» وقال بعضهم: نَحَتَ وجوههم. وقال بعضهم: قطع يد بعضهم ورجل بعضهم وأُذُنَ بعضهم، فذلك قوله تعالى:
فَجَعَلَهُمْ جُذاذاً، يعني: فتاتاً، ويقال: كسرهم قطعاً قطعاً. وقال أهل اللغة: كل شيء كسرته فقد جذذته. وقال أبو عبيد: يعني: فتاتاً يقال: كسرهم أي استأصلهم، ويقال: جذَّ الله دابرهم أي: استأصلهم. وقرأ الكسائي: جُذاذاً بكسر الجيم، والباقون بالضم جُذاذاً وقرئ بالشاذ جُذاذاً بالنصب، ومعناه قريب بعضها من بعض، وهو الكسر.
إِلَّا كَبِيراً لَهُمْ لم يكسره وتركه على حاله، وقال الزجاج: يحتمل الكبير في الخلقة، ويحتمل أكبر ما عندهم في تعظيمهم. لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ، يعني: إلى الصنم الأكبر، ويقال: يَرْجِعُونَ إلى قوله باحتجاجه عليهم لوجوب الحجة عليهم، فجعل القدوم على عنق ذلك الصنم الأكبر. فلما رجعوا من عيدهم، نظروا إلى آلهتهم مكسرة، ويقال: حين دخل إبراهيم عليه السلام بيت الأصنام، كان عندهم خدم، يعني: الوصائف، فخرجن وقلن: إن هذا الرجل مريض، جاء يطلب من الآلهة العافية. فلما خرج إبراهيم ودخلن، فنظرن إلى الأصنام مقطوعة الرؤوس، فخرجن إلى الناس بالويل والصياح وأخبرنهم بالقصة، فتركوا عيدهم ودخلوا، فلما رأوا ذلك، قالُوا مَنْ فَعَلَ هذا بِآلِهَتِنا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ في فعله. قالُوا سَمِعْنا فَتًى يَذْكُرُهُمْ، يعني: يَعيبهُمْ، ويقال: أخبر الرجل الذي سمع منه فقال: إني سمعت فتى يذكرهم قال: تَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنامَكُمْ. يُقالُ لَهُ إِبْراهِيمُ. صار إبراهيمُ رفعاً، بمعنى: يقال له هو إبراهيم. وقال: ويحتمل يقال له إبراهيم، رفع على معنى النداء المفرد.
سورة الأنبياء (٢١) : الآيات ٦١ الى ٦٧
قالُوا فَأْتُوا بِهِ عَلى أَعْيُنِ النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ (٦١) قالُوا أَأَنْتَ فَعَلْتَ هذا بِآلِهَتِنا يا إِبْراهِيمُ (٦٢) قالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا فَسْئَلُوهُمْ إِنْ كانُوا يَنْطِقُونَ (٦٣) فَرَجَعُوا إِلى أَنْفُسِهِمْ فَقالُوا إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الظَّالِمُونَ (٦٤) ثُمَّ نُكِسُوا عَلى رُؤُسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هؤُلاءِ يَنْطِقُونَ (٦٥)
قالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لاَ يَنْفَعُكُمْ شَيْئاً وَلا يَضُرُّكُمْ (٦٦) أُفٍّ لَكُمْ وَلِما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ (٦٧)