ثم قال عز وجل: وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ وهو النضر بن الحارث. وَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ في العذاب. وَإِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ، يعني: إن يوماً من الأيام التي وعد لهم في العذاب عِنْدَ رَبِّكَ في الآخرة، كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ في الدنيا.
ثم بيَّن لهم العذاب حيث قال: وَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ، ووصف طول عذابهم. ويقال:
إنه أراد بذلك قدرته عليهم بحال استعجالهم، أنه يأخذهم متى شاء. قرأ ابن كثير وحمزة والكسائي مّمَّا يَعْدُونَ بالياء، وقرأ الباقون بالتاء على معنى المخاطبة.
ثم قال عز وجل: وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَها، فلم أعجل عليها العقوبة. وَهِيَ ظالِمَةٌ، أي كافرة. ثُمَّ أَخَذْتُها بالعذاب، ولكن لم يذكر العذاب لأنه سبق ذكره. ثم قال:
وَإِلَيَّ الْمَصِيرُ، يعني: المرجع في الآخرة.
سورة الحج (٢٢) : الآيات ٤٩ الى ٥١
قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّما أَنَا لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ (٤٩) فَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (٥٠) وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آياتِنا مُعاجِزِينَ أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَحِيمِ (٥١)
قوله عز وجل: يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّما أَنَا لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ، يعني: رسول مبين أبلغكم بلغة تعرفونها. فَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ، يعني: الطاعات، لَهُمْ مَغْفِرَةٌ لذنوبهم، وَرِزْقٌ كَرِيمٌ حسن في الجنة. وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آياتِنا، يعني: عملوا في القرآن بالتكذيب مُعاجِزِينَ. قرأ ابن كثير وأبو عمرو: معجزين بغير ألف والتشديد في جميع القرآن، وقرأ الباقون بالألف والتخفيف. فمن قرأ: معجزين، أي: يعجزون من اتبع النبيّ صلّى الله عليه وسلّم ويثبطونهم، ومن قرأ: مُعاجِزِينَ، أي ظانين أنهم يعجزوننا، لأنهم يظنون أنهم لا يبعثون.
وقيل: مُعاجِزِينَ أي معاندين، ومعناه: ليسوا بفائتين. أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَحِيمِ، يعني:
النار.
سورة الحج (٢٢) : الآيات ٥٢ الى ٥٤
وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلاَّ إِذا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آياتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (٥٢) لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقاقٍ بَعِيدٍ (٥٣) وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ اللَّهَ لَهادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (٥٤)
قوله عز وجل: وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلَّا إِذا تَمَنَّى، أي: حدثت نفسه، أَلْقَى الشَّيْطانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ أي في حديثه. ويقال: تمنى أي قرأ، كما قال القائل:
تَمَنَّى كِتَابَ الله أوَّلَ لَيْلِه ... وَآخِرَهُ لاَقَى حِمَامَ المَقَادِرِ