وقوله: وَما أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّماءِ مِنْ ماءٍ، يعني المطر الذي ينزل من السماء، فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها أي اخضرت الأرض بعد يبسها وَبَثَّ فِيها، يقول: خلق في الأرض مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّياحِ قرأ حمزة والكسائي: الريح بغير ألف والباقون:
الرِّياحِ بالألف. واختار أبو عبيدة في قراءته: أن كلّ ما في القرآن من ذكر العذاب الريح بغير ألف، وكل ما في القرآن من ذكر الرحمة: الرياح بالألف، واحتج بما روى أنس- رضي الله عنه- عن النبيّ صلّى الله عليه وسلم أنه كان إذا هاجت الريح قال: «اللَّهُمَّ اجْعَلْهَا رياحا ولا تجعلها ريحا» .
ومعنى قوله تعالى وَتَصْرِيفِ الرِّياحِ أي هبوب الريح مرة جنوباً ومرة شمالاً ومرة صباً ومرة دبوراً.
قوله تعالى: وَالسَّحابِ الْمُسَخَّرِ، أي المذلل والمطوع، بَيْنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ، أي في هذه الأشياء التي ذكر في هذه الآية، آيات لوحدانيته لمن كان له عقل وتمييز. ويقال: هذه الآية تجمع أصول التوحيد، وقد بيّن فيها دلائل وحدانيته، لأن الأمر لو كان بتدبير اثنين مختلفين في التدبير، لفسد الأمر باختلافهما. كما قال تعالى: لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتا الأنبياء: ٢٢ .
سورة البقرة (٢) : الآيات ١٦٥ الى ١٦٧
وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْداداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذابِ (١٦٥) إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبابُ (١٦٦) وَقالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَما تَبَرَّؤُا مِنَّا كَذلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمالَهُمْ حَسَراتٍ عَلَيْهِمْ وَما هُمْ بِخارِجِينَ مِنَ النَّارِ (١٦٧)
وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْداداً، يعني بعض الناس وصفوا لله شركاء وأعدالاً وهي الأوثان. يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ، قال بعضهم: معناه يحبون الأوثان كحبهم لله تعالى، لأنهم كانوا يقرون بالله تعالى. وقال بعضهم: معناه، يحبون الأوثان كحب المؤمنين لله تعالى وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ، لأن الكفار يعبدون أوثانهم في حال الرخاء، فإذا أصابتهم شدة تركوا عبادتها والمؤمنون يعبدون الله تعالى في حال الرخاء والشدة، فهذا معنى قوله تعالى:
وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ. فإن قيل: إذا كان المؤمنون أشد حباً لله فما معنى قوله:
يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ؟ قيل له: يحتمل أن بعض المؤمنين حبهم مثل حبهم وبعضهم أشد حباً، وفي أول الآية ذكر بعض المؤمنين، وفي آخر الآية ذكر المؤمنين الذين هم أشد حباً لله.