وهو قوله: وَجاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعى يعني: من وسط المدينة يمشي على رجليه، ويقال: يسرع ويشتد في مشيته ف قالَ يا مُوسى إِنَّ الْمَلَأَ يعني: الأشراف من أهل مصر يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ قال أبو عبيد: يعني: يتشاورون في أمرك. وقال القتبي: يعني: يهمون بك ليقتلوك فَاخْرُجْ من هذه المدينة إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ.
قوله عز وجل: فَخَرَجَ مِنْها يعني: من مصر خائِفاً يَتَرَقَّبُ يعني: ينتظر الطلب قالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ يعني: المشركين.
قوله تعالى: وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقاءَ مَدْيَنَ يعني: قصد بوجهه نحو مدين، وذلك أن موسى عليه السلام حين خرج وتوجه نحو مدين، وكان بينه وبين مدين ثمانية أيام، كما بين الكوفة والبصرة. ويقال: تِلْقاءَ مَدْيَنَ يعني: سلك الطريق الذي تلقاء مدين ويقال: لما قال رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ استجاب الله تعالى دعاءه، فجاءه جبريل عليه السلام وأمره بأن يسير تلقاء مدين، فسار إلى مدين في عشرة أيام وهو قوله: قالَ عَسى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَواءَ السَّبِيلِ يعني: يرشدني قصد الطريق إلى مدين.
سورة القصص (٢٨) : الآيات ٢٣ الى ٢٥
وَلَمَّا وَرَدَ ماءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودانِ قالَ مَا خَطْبُكُما قالَتا لاَ نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعاءُ وَأَبُونا شَيْخٌ كَبِيرٌ (٢٣) فَسَقى لَهُما ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقالَ رَبِّ إِنِّي لِما أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ (٢٤) فَجاءَتْهُ إِحْداهُما تَمْشِي عَلَى اسْتِحْياءٍ قالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنا فَلَمَّا جاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قالَ لاَ تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (٢٥)
قوله عز وجل: وَلَمَّا وَرَدَ ماءَ مَدْيَنَ وكان مدين بن إبراهيم عليهما السلام، وكانت البير تنسب إليه، وكان ينسب الماء إليه، وصار مدين اسم قبيلة وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ يعني: وجد على الماء جماعة من الناس يسقون أنعامهم وأغنامهم. ويقال: هم أربعون رجلاً ويقال: عشرة رجال وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ يعني: من دون الناس امْرَأَتَيْنِ تَذُودانِ أي:
تطردان قال سعيد بن جبير: يعني: حابستان ويقال تحسبان غنمهما. وقال القتبي: تَذُودانِ، أي تكفان غنمهما، وحذف الغنم اختصاراً. ويقال كانتا تحبسان الغنم لكيلا تختلط بغيرها.
ويقال: تحبسان الغنم لتصدر مواشي الناس، وتسقيان بفضل الماء، ومما فضل من أغنام الناس، وهما ابنتا شعيب عليه السلام قالَ ما خَطْبُكُما يعني: قَالَ لهما موسى: مَا شأنكما ترعيان الغنم مع الرجال، وما بالكما لا تسقيان مع الناس قالَتا لاَ نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعاءُ قرأ أبو عمرو وابن عامر يُصْدِرَ بنصب الياء، وضم الدال. وقرأ الباقون يُصْدِرَ بضم الياء، وكسر الدال. فمن قرأ بالنصب، فهو من صدر يصدر إذا رجع من الماء، ومعناه: لا نسقي حتى يرجع