ثم قال: قَلِيلًا مَّا تَشْكُرُونَ يعني: لا تشكرون رب هذه النعم على حسن خلقكم، فتوحّدوه. فلا تستعملوا سمعكم وأفئدتكم إلا في طاعتي. ويقال: ما هاهنا صلة. فكأنه يقول:
تشكرونه قليلاً. ويقال: ما بمعنى: الذي. فكأنه قال: فقليل الذي تشكرون. وقد يكون الكلام بعضه بلفظ المغايبة.
ثم قال: وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ بلفظ المخاطب، فكما قال: هاهنا ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ بلفظ المغايبة. ثم قال: وَجَعَلَ لَكُمُ بلفظ المخاطبة.
ثم قال عز وجل: وَقالُوا أَإِذا ضَلَلْنا فِي الْأَرْضِ يعني: هلكنا وصرنا ترابا أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ يعني: أنبعث بعد الموت. وأصله ضلّ الماء في اللبن إذا غاب وهلك. وروي عن الحسن البصري رحمه الله أنه قرأ أإذا صللنا بالصاد، وتفسيره النتن. يقال: صل اللحم إذا أنتن. وقراءة العامة بالضاد المعجمة أي: هلكنا. وقرأ ابن عامر: وقالوا إذا ضَلَلْنَا إذ بغير استفهام أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ على وجه الاستفهام. قال: لأنهم كانوا يقرون بالموت ويشاهدونه. وإنما أنكروا البعث. ويكون الاستفهام في البعث دون الموت.
ثم قال عز وجل: بَلْ هُمْ بِلِقاءِ رَبِّهِمْ كافِرُونَ يعني: بالبعث جاحدون فلا يؤمنون به.
قوله عز وجل:
سورة السجده (٣٢) : الآيات ١١ الى ١٤
قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ (١١) وَلَوْ تَرى إِذِ الْمُجْرِمُونَ ناكِسُوا رُؤُسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ رَبَّنا أَبْصَرْنا وَسَمِعْنا فَارْجِعْنا نَعْمَلْ صالِحاً إِنَّا مُوقِنُونَ (١٢) وَلَوْ شِئْنا لَآتَيْنا كُلَّ نَفْسٍ هُداها وَلكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (١٣) فَذُوقُوا بِما نَسِيتُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا إِنَّا نَسِيناكُمْ وَذُوقُوا عَذابَ الْخُلْدِ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (١٤)
قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ يعني: يقبض أرواحكم مَلَكُ الْمَوْتِ واسمه عزرائيل. وروي في الخبر أن له وجوهاً أربعة. فوجه من نار يقبض به أرواح الكفار، ووجه من ظلمة يقبض به أرواح المنافقين، ووجه من رحمة يقبض به أرواح المؤمنين، ووجه من نور يقبض به أرواح الأنبياء والصديقين- عليهم السلام- والدنيا بين يديه كالكف، وله أعوان من ملائكة الرحمة، وملائكة العذاب. فإذا قبض روح المؤمن دفعها إلى ملائكة الرحمة، وإذا قبض روح الكافر دفعها إلى ملائكة العذاب.