لِيَدَّبَّرُوا آياتِهِ أي: لكي يتفكروا في آياته. قرأ عاصم في إحدى الروايتين: لِتَدَبَّرُوا بالتاء مع النصب، وتخفيف الدال. وهو بمعنى: لتتدبروا. فحذفت إحدى التاءين، وتركت الأخرى خفيفة، وقراءة العامة لِيَدَّبَّرُوا بالياء، وتشديد الدال. وهو بمعنى: ليتدبروا. فأدغمت التاء في الدال، وشددت.
ثم قوله عز وجل: وَلِيَتَذَكَّرَ يعني: وليتعظ بالقرآن أُولُوا الْأَلْبابِ يعني: ذوو العقول من الناس.
سورة ص (٣٨) : الآيات ٣٠ الى ٣٤
وَوَهَبْنا لِداوُدَ سُلَيْمانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ (٣٠) إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِناتُ الْجِيادُ (٣١) فَقالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي حَتَّى تَوارَتْ بِالْحِجابِ (٣٢) رُدُّوها عَلَيَّ فَطَفِقَ مَسْحاً بِالسُّوقِ وَالْأَعْناقِ (٣٣) وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمانَ وَأَلْقَيْنا عَلى كُرْسِيِّهِ جَسَداً ثُمَّ أَنابَ (٣٤)
وَوَهَبْنا لِداوُدَ سُلَيْمانَ يعني: أعطينا لداود سليمان. وروي عن ابن عباس أنه قال:
أولادنا من مواهب الله عز وجل.
ثم قرأ: ويَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ إِناثاً وَيَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ الذُّكُورَ الشورى: ٤٩ فوهب الله تعالى لداود سليمان نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ يعني: مقبلاً إلى طاعة الله تعالى.
قوله عز وجل: إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ يعني: في آخر النهار الصَّافِناتُ الْجِيادُ يعني: الخيل. قال الكلبي ومقاتل: صفن الفرس إذا رفع إحدى رجليه، فيقوم على طرف حافره. وقال أهل اللغة: الصافن الواقف من الخيل. وفي الخبر: «مَنْ أَحَبَّ أنْ يَقُومَ لَهُ الرِّجَالُ صُفُوفاً فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ» يعني: يديمون له القيام، والجياد الحسان. ويقال: الإسراع في المشي. وقال ابن عباس في رواية الكلبي: إن أهل دمشق من العرب، وأهل نصيبين جمعوا جموعاً، وأقبلوا ليقاتلوا سليمان، فقهرهم سليمان، وأصاب منهم ألف فرس عراب، فعرضت على سليمان الخيل، فجعل ينظر إليها، ويتعجب من حسنها، حتى شغلته عن صلاة العصر، وغربت الشمس، ثم ذكرها بعد ذلك، فغضب، وقال: رُدُّوها عَلَيَّ، فضرب بسوقها، وأعناقها بالسيف، حتى خرّ منها تسعمائة فرس، وهي التي كانت عرضت عليه، وبقيت مائة فرس لم تعرض عليه كما كان في أيدي الناس الآن من الجياد، فهو من نسلها أي: من نسل المائة الباقية.
قوله تعالى: فَقالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ يعني: آثرت حب المال عَنْ ذِكْرِ رَبِّي يعني: عن الصلاة، وهي صلاة العصر حَتَّى تَوارَتْ بِالْحِجابِ يعني: حتى غابت الشمس،