القتبي كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ أي: سترها وَأَصْلَحَ بالَهُمْ أي: حالهم. ويقال: أصلح بالهم يعني: أظهر الله تعالى أمرهم في الإسلام، حتى يقتدى بهم.
ثم بين المعنى الذي أحبط أعمال الكافرين، وأصلح شأن المؤمنين فقال: ذلِكَ بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يعني: ذلك الإبطال، بأن الذين كفروا اتَّبَعُوا الْباطِلَ يعني: اختاروا الشكر وثبتوا عليه، ولم يرغبوا في الإسلام. ويقال: معناه لأنهم اختاروا الباطل على الحق، واتباع الهوى، على اتباع رضى الله سبحانه وتعالى وَأَنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وهم أصحاب محمد صلّى الله عليه وسلم اتَّبَعُوا الْحَقَّ مِنْ رَبِّهِمْ يعني: اتبعوا القرآن، وعملوا به. ويقال: معناه اختاروا الإيمان على الكفر، واتباع القرآن، واتباع رضى الله تعالى على اتباع الهوى. قوله تعالى: كَذلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ لِلنَّاسِ أَمْثالَهُمْ يعني: هكذا يبين الله صفة أعمالهم. ثم حرض المؤمنين على القتال فقال:
سورة محمد (٤٧) : الآيات ٤ الى ٦
فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقابِ حَتَّى إِذا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِداءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزارَها ذلِكَ وَلَوْ يَشاءُ اللَّهُ لانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلكِنْ لِيَبْلُوَا بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمالَهُمْ (٤) سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بالَهُمْ (٥) وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَها لَهُمْ (٦)
فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقابِ يعني: اضربوا الرقاب، صار نصباً بالأمر، ومعناه اضربوا الأعناق ضرباً. وروى وكيع، عن المسعودي، عن القاسم بن عبد الرحمن، عن النبيّ صلّى الله عليه وسلم أنَّه قَالَ: «إِنّي لَمْ أُبْعَثُ لأُعَذِّبَ بِعَذَابِ الله، وَإِنَّمَا بُعثْتُ بِضَرْبِ الرِّقَابِ، وَشَدِّ الوَثَاقِ» حَتَّى إِذا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثاقَ يعني: حتى إذا قهرتموهم وأسرتموهم، فشدوا الوثاق يعني: فاستوثقوا أيديهم من خلفهم. ويقال الإثخان: أن يعطوا أيديهم، ويستسلموا وقال الزجاج حَتَّى إِذا أَثْخَنْتُمُوهُمْ يعني: أكثرتم فيهم القتل والأسر بعد المبالغة في القتل. وقال مقاتل: حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوُهم بالسيف، فظفرتم عليهم فَشُدُّوا الْوَثاقَ يعني: الأسر.
فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ يعني: عتقاً بعد الأسر، بغير فداء وَإِمَّا فِداءً يعني: يفادي نفسه بماله. وروي عن إبراهيم النخعي، أنه قال: الإمام بالخيار في الأسرى، إن شاء فادى، وإن شاء قتل وإن شاء استرق. وروي عن أبي بكر الصديق، رضي الله عنه، أنه قال: لا أفادي، وإن طلبوا بمدين من ذهب، وذكر عن أبي بكر، أنه كتب إليه في أسير، التمسوا منه الفداء.
فقال: اقتلوه، لأَنْ أقتل رجلاً من المشركين أحب إليَّ من كذا وكذا.
قال أبو الليث: وقد كره بعض الناس قتل الأسير، واحتج بظاهر هذه الآية فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِداءً وقال أَصْحَابُنَا: لا بأس بقتله، بالخبر الذي روي عن أبي بكر رضي الله عنهم.
وروي عن ابن جريج، وغيره من أهل التفسير، أن هذه الآية منسوخة بقوله: فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ