قوله تعالى: ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ أي يذهب الله بنور الإيمان الذي يتكلم به، وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُماتٍ لاَّ يُبْصِرُونَ الهدى، فكذلك المنافق إذا بلغ آخر عمره بقي في ظلمة كفره. وهكذا فسّره قتادة والقتبي وغيرهما.
سورة البقرة (٢) : آية ١٨
صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ (١٨)
ثم قال تعالى: صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ وفي قراءة عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- «صُمّاً بُكْمّاً عُمْياً» ، وإنما جعلها نصباً لوقوع الفعل عليها، يعني وتركهم صماً بكماً عمياً. وقرأ غيره: صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ ومعناه هم صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ. وتفسير الآية أنهم يتصاممون، حيث لم يسمعوا الحق ولم يتكلموا به، ولم يبصروا العبرة والهدى، فكأنهم صم بكم عمي، ولأن الله تعالى خلق السمع والبصر واللسان لينتفعوا بهذه الأشياء، فإذا لم ينتفعوا بالسمع والبصر صار كأن السمع والبصر لم يكن لهم. كما أن الله تعالى سمى الكفرة موتى حيث قال تعالى: أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ الأنعام: ١٢٢ يعني كافراً فهديناه وإنما سماهم موتى- والله أعلم- لأنه لا منفعة لهم في حياتهم، فكأن تلك الحياة لم تكن لهم، فكذلك السمع والبصر واللسان، إذا لم ينتفعوا بها فكأنها لم تكن لهم، فكأنهم صم بكم عمى فهم لا يرجعون، يعني لا يرجعون إلى الهدى.
وقال القتبي: معنى قوله تعالى: وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُماتٍ لا يُبْصِرُونَ قال: الظلمة الأولى كانت ظلمة الكفر، استيقادهم النار قول: لا إله إلا الله، وإذا خلوا إلى شياطينهم فنافقوا.
وقالوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ البقرة: ١٤ فسلبهم نور الإيمان، وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُماتٍ لاَّ يُبْصِرُونَ.
سورة البقرة (٢) : آية ١٩
أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّماءِ فِيهِ ظُلُماتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ مِنَ الصَّواعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكافِرِينَ (١٩)
أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّماءِ فِيهِ ظُلُماتٌ، يعني كمطر نزل من السماء فضرب لهم الله تعالى مثلاً آخر، لأن العرب كانوا يوضحون الكلام بذكر الأمثال، فالله ضرب لهم الأمثال ليوضح عليهم الحجة، فضرب لهم مثلاً بالمستوقد النار، ثم ضرب لهم مثلا آخر بالمطر. فإن قيل كلمة أو إنما تستعمل للشك فما معنى أَوْ ها هنا، فقيل له: أو قد تكون للتخيير، فكأنه قال: إن شئتم فاضربوا لهم مثلاً بالمستوقد النار، وإن شئتم فاضربوا لهم المثل بالمطر، فأنتم مصيبون في ضرب المثل في الوجهين جميعاً. وهذا كما قال في آية أخرى: أَوْ كَظُلُماتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ النور: ٤٠ فكذلك هاهنا أو للتخيير لا للشك. وقد قيل: أو بمعنى الواو يعني،