وقال قتادة: معناه فأتوا بسورة فيها حق وصدق لا باطل فيها. وكان الفقيه أبو جعفر- رحمه الله- يقول: (الهاء) إشارة إلى النبيّ صلّى الله عليه وسلم فكأنه قال: فأتوا بسورة من مثل محمد صلى الله عليه وسلم، لأنه لم يكن قرأ الكتب ولا درس فأتوا بسورة من رجل لم يقرأ الكتب، كما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم. ويقال: هذه الآيات أصل لجميع ما تكلم به المتكلمون، لأن في أول الآية إثبات الصانع ثم في الآية الأخرى إثبات نبوة محمد صلى الله عليه وسلم فالله تعالى أمرهم بأن يأتوا بعشر سور فعجزوا عنها، ثم أمرهم بسورة من مثله، فعجزوا عنها، فنزلت هذه الآية قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ الإسراء: ٨٨ الآية.
سورة البقرة (٢) : آية ٢٤
فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ (٢٤)
ثم قال عز وجل: فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا، «لم» تستعمل للماضي «ولن» تستعمل للمستقبل، فكأنه قال: فإن لم تفعلوا، أي لم تأتوا في الماضي ولن تفعلوا، أي لن تأتوا في المستقبل، وتجحدون بغير حجة فَاتَّقُوا النَّارَ، قال قتادة: معناه، فإن لم تفعلوا، ولن تقدروا أن تفعلوا ولن تطيقوا فَاتَّقُوا النَّارَ، أي: احذروا النار الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ، يعني حطبها الناس إذا صاروا إليها، والحجارة قبل أن يصيروا إليها. ويقال معناه: إن مع كل إنسان من أهل النار حجراً معلقاً في عنقه حتى إذا طفئت النار، رسبه به الحجر إلى أسفل.
ويقال: وقودها الناس والحجارة، أي حجارة الكبريت، وإنما جعل حطبها من حجارة الكبريت لأن لها خمسة أشياء ليست لغيرها: أحدها: أنها أسرع وقوداً، والثاني: أنها أبطأ خموداً، والثالث: أنها أنتن رائحة، والرابع: أنها أشد حراً، والخامس: أنها ألصق بالبدن. قوله تعالى:
أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ أي خلقت وهيئت للكافرين وقدِّرت لهم.
سورة البقرة (٢) : آية ٢٥
وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ كُلَّما رُزِقُوا مِنْها مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقاً قالُوا هذَا الَّذِي رُزِقْنا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشابِهاً وَلَهُمْ فِيها أَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيها خالِدُونَ (٢٥)
ثم قال: وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ، فقد ذكر في أول الآية إثبات الصانع وذكر حجته، ثم ذكر إثبات الكتاب والنبوة، ثم ذكر الوعيد للكفار، لمن لم يؤمن بالله، ثم ذكر الثواب للمؤمنين وهكذا في جميع القرآن في كل موضع ذكر عقوبة الكفار، ثم ذكر على أثره ثواب المؤمنين لتسكن قلوبهم إلى ذلك، وتزول عنهم الوحشة لكي يثبتوا على إيمانهم ولكي يرغبوا في ثوابه، فقال وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا، أي فرِّح قلوب الذين آمنوا، يعني صدَّقوا