الذي يخبركم محمد مثل ما أحدثكم من أحاديث الأولين وكذبهم، فقال له عثمان بن مظعون:
اتق الله يا نضر، فإنه ما يقول إلا حقاً، فقال النضر بن الحارث: وَإِذْ قالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ، يعني: إن كان ما يقول محمد من القرآن حقاً، فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ. قال أبو عبيدة: كل شيء في القرآن أمطر فهو من العذاب، وما كان من الرحمة فهو مطر. وروى أسباط عن السدي قال: قال النضر بن الحارث: اللهم إن كان ما يقول محمد حقا، فأمطر علينا حجارة من السماء، أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ فنزل سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ المعارج: ١ فاستجيب دعاؤه، وقتل في بدر.
قال سعيد بن جبير: قتل النبيّ صلّى الله عليه وسلّم ثلاثة يوم بدر صبراً: النضر بن الحارث، وطعمة بن عدي، وعتبة بن أبي معيط. وكان النضر أسره المقداد، فقال المقداد: يا رسول الله أسيري، فقال النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «إنه كان يقول في الله وَرَسُولِهِ مَا يَقُولُ» ، فقال: يا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أسيري.
فقال: اللَّهُمَّ أَغْنِ المِقْدَادَ مِنْ فَضْلِكَ» . فقال المقداد: هذا الذي أردت فنزل وَما كانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وكان ذلك القول من النضر حين كان النبيّ صلّى الله عليه وسلّم في مكة، فأخبر الله تعالى أنه لا يعذبهم وأنت بين ظهرانيهم، حتى يخرجك عنهم كما أخرج الأنبياء قبلك عن قومهم ثم عذبهم.
سورة الأنفال (٨) : الآيات ٣٣ الى ٣٥
وَما كانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَما كانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (٣٣) وَما لَهُمْ أَلاَّ يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَما كانُوا أَوْلِياءَهُ إِنْ أَوْلِياؤُهُ إِلاَّ الْمُتَّقُونَ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ (٣٤) وَما كانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلاَّ مُكاءً وَتَصْدِيَةً فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (٣٥)
ثم قال عز وجل: وَما كانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ، يعني: يصلّون لله الصلوات الخمس وهم أهل الإيمان وقال مجاهد: وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ يعني: وهم مسلمون ويقال:
فيهم من يؤول أمره إلى الإسلام. ويقال: وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ يعني: وفي أصلابهم من يسلم.
وروي عن أبي موسى الأشعري قال: «كان أمانان في الأرض، رفع أحدهما وبقي الآخر وَما كانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَما كانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ وقال عطية: وَما كانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ، يعني المشركين حتى يخرجك منهم. وَما كانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ، يعني المؤمنين.
ثم عاد إلى ذكر المشركين فقال: وَما لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ، يعني: بعد ما أخرج النبي صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه من بينهم. وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ، يعني: يمنعون المؤمنين عن المسجد الحرام. وَما كانُوا أَوْلِياءَهُ يعني: المشركين. قال الكلبي: يعني، ما كانوا