ثم قال: لاَ يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ، يعني: لا يستوون في الثواب والعمل عند الله. وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ، يعني: لا يرشد المشركين إلى الحجة، ويقال: لا يكرمهم بالمعرفة ما لم يتركوا كفرهم. كما قال في آية أُخرى: وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا العنكبوت: ٦٩ .
سورة التوبة (٩) : الآيات ٢٠ الى ٢٢
الَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ وَأُولئِكَ هُمُ الْفائِزُونَ (٢٠) يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوانٍ وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيها نَعِيمٌ مُقِيمٌ (٢١) خالِدِينَ فِيها أَبَداً إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ (٢٢)
قوله تعالى: الَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا، يعني: صدقوا بوحدانية الله، وَهاجَرُوا إلى المدينة. وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ، يعني: هؤلاء أفضل عند الله، وأفضل درجة في الجنة من الذين لم يهاجروا ولم يؤمنوا ولم يعمروا المسجد الحرام، ولم يسقوا الحاج. وَأُولئِكَ هُمُ الْفائِزُونَ، يعني: الناجين من النار.
قوله تعالى: يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ، يعني: يفرحهم بِرَحْمَةٍ، يعني: بجنة مِنْهُ وَرِضْوانٍ رضي الله تعالى عنهم كما قال في آية أخرى: رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ المجادلة: ٢٢ بالثواب الذي أعطاهم.
ثم قال تعالى: وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيها نَعِيمٌ مُقِيمٌ، يعني: دائماً لا ينقطع عنهم. خالِدِينَ فِيها، يعني: مقيمين دائمين في الجنات أَبَداً، هو تأكيد للخلود. إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ، وهي الجنة.
سورة التوبة (٩) : آية ٢٣
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا آباءَكُمْ وَإِخْوانَكُمْ أَوْلِياءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمانِ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (٢٣)
قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا آباءَكُمْ وَإِخْوانَكُمْ أَوْلِياءَ، يعني: الذين بمكة أولياء. قال مقاتل: نزلت الآية في التسعة الذين ارتدوا عن الإسلام ولحقوا بمكة، فنهاهم الله تعالى عن ولايتهم. وقال في رواية الكلبي: لما أُمر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بالهجرة إلى المدينة، فجعل الرجل يقول لامرأته ولأخيه: إنا قد أمرنا بالهجرة. فيخرج معه، ومنهم من تعلّق به زوجته وعياله فيرقّ لهم، فيقولون له: لمن سوف تدعنا حتى نضيع؟ فيرق لهم ويجلس معهم، فنزل يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا آباءَكُمْ وَإِخْوانَكُمْ أَوْلِياءَ في الدين والعون إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ، يعني: إن اختاروا الكفر عَلَى الْإِيمانِ، ويقال: اختاروا الكفر عَلَى الإيمان، ويقال: اختاروا الجلوس مع الكفار على الجلوس مع المؤمنين. وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ بعد نزول هذه الآية، فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ أي: الضارون بأنفسهم.