هلكت، قَدْ أَنْزَلَ الله فِيكَ من القرآن كذا وكذا، فأقبل ثعلبة بن حاطب وجعل على رأسه التراب وهو يبكي ويقول: يا رسول الله، اقبض مني صدقة مالي. فلم يقبض منه صدقته حتى قبض الله تعالى رسوله، ثم أتى إلى أبي بكر فلم يقبل صدقته، ثم أتى إلى عمر فلم يقبل صدقته، ثم أتى إلى عثمان فلم يقبل صدقته، ومات في خلافة عثمان، فذلك قوله تعالى: فَلَمَّا آتاهُمْ يعني:
أعطاهم مِنْ فَضْلِهِ يعني: من المال بَخِلُوا بِهِ بمنع حق الله وَتَوَلَّوْا عن الصدقة وَهُمْ مُعْرِضُونَ لم يفوا بما قالوا.
قوله تعالى: فَأَعْقَبَهُمْ نِفاقاً فِي قُلُوبِهِمْ يقول جعل عاقبتهم إلى النفاق إِلى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ يعني: يلقون الله، وهو يوم القيامة، بِما أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِما كانُوا يَكْذِبُونَ لقوله: لَئِنْ آتانا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وقال عبد الله بن مسعود: «اعتبروا المنافق بثلاث: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا عاهد غدر» . ثم قرأ وَمِنْهُمْ مَنْ عاهَدَ اللَّهَ إلى قوله وَبِما كانُوا يَكْذِبُونَ فقد ذكر الثلاثة في هذه الآية.
سورة التوبة (٩) : آية ٧٨
أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْواهُمْ وَأَنَّ اللَّهَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ (٧٨)
قوله تعالى: أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْواهُمْ، وقال مقاتل: نزلت هذه الآية في أصحاب العقبة حين هموا بما لم ينالوا، ويقال: هذا عطف نسق عطف على قوله: لَئِنْ آتانا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَ
أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْواهُمْ وَأَنَّ اللَّهَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ، أي علم غيب كل شيء مما هموا به.
سورة التوبة (٩) : الآيات ٧٩ الى ٨٠
الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقاتِ وَالَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ إِلاَّ جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (٧٩) اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لاَ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ (٨٠)
قوله تعالى: الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ، يعني: يطعنون ويعيبون الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقاتِ، وذلك أن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم حين أراد أن يخرج إلى غزوة تبوك، حثَّ الناس على الصدقة، فجاء عبد الرحمن بن عوف بأربعة آلاف درهم، وزن كل درهم مثقالاً، فقال: «أَكْثَرْتَ، هَلْ تَرَكْتَ لأهْلِكَ شَيْئاً» ؟ فقال: يا رسول الله، كان مالي ثمانية آلاف درهم، فأما أربعة آلاف درهم التي جئت بها فأقرضتها ربي، وأما أربعة آلاف التي بقيت فأمسكتها لنفسي وعيالي، فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «بارك الله لك فيما أَعْطَيْتَ، وَفِيمَا أمْسَكْتَ» . فبارك الله فيه، حتى بلغ ماله حين مات وقد كان طلق إحدى نسائه الثلاث في مرضه، فصالحوها من ثلث الثمن على ثمانين ألف