يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ
، وهو الدين القيم، ويقال: إن عطاءه على وجهين: خاص، وعام.
فأما العطاء الخاص فالتوفيق والعصمة واليقين، وأما العطاء العام فالصحة والنعمة والفراغ والأمن. والدعوة هنا عامة والهداية خاصة، فقد دعا جميع الناس بقوله تعالى: وَاللَّهُ يَدْعُوا إِلى دارِ السَّلامِ ثم قال: وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ فجعل الهداية خاصا لأنها فضله، وفضل الله يؤتيه من يشاء. وقال قتادة: وَاللَّهُ يَدْعُوا إِلى دارِ السَّلامِ والله هو السلام وداره الجنة. ويقال: السلام هو السلامة، وإنما سميت الجنة دار السلام، لأنها سالمة من الآفات والأمراض وغير ذلك.
روى أبو أيوب، عن أبي قلابة، عن أنس أن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «نَاَمَتْ عَيْنِي وَعَقَلَ قَلْبِي وَسَمِعَتْ أُذُنِي، ثُمَّ قِيلَ لِي: إِنَّ سَيِّداً بَنَى دَاراً وَصَنَعَ مَائِدَةً وَأَرْسَلَ دَاعِياً، فَمَنْ أَجَابَ الدَّاعِيَ دَخَلَ الدَّارَ وَأَكَلَ مِنَ المَائِدَةِ وَرَضِيَ عَنْهُ السّيّد، ومن لم يجب الداعي، لم يدخل الدار، ولم يأكل من المأدبة ولم يرض عَنْهُ السَّيِّدُ» «١» فالله تعالى هو السيد، والدار الإسلام، والمأدبة الجنة، والداعي محمد صلّى الله عليه وسلّم وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ يعني: يكرم من يشاء بالمعرفة من كان أهلاً لذلك إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ يعني: إلى دين الإسلام.
سورة يونس (١٠) : الآيات ٢٦ الى ٢٧
لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى وَزِيادَةٌ وَلا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلا ذِلَّةٌ أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (٢٦) وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئاتِ جَزاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِها وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ مَّا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عاصِمٍ كَأَنَّما أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعاً مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِماً أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (٢٧)
قوله تعالى: لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى. للذين وحدوا الله وأطاعوه في الدنيا، لهم الجنة في الآخرة وَزِيادَةٌ، يعني: فضلاً. قال عامة المفسرين: هي النظر إلى وجه الله تعالى، وهكذا روي عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، وعن أبي بكر الصديق، وحذيفة بن اليمان، وأبي موسى الأشعري وغيرهم.
قال الفقيه: حدثنا الخليل بن أحمد قال. حدثنا أبو العباس السراج قال: حدثنا إسحاق بن إبراهيم الحنظلي قال: حدثنا عفان بن مسلم، عن حماد بن سلمة، عن ثابت البناني، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: تلا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم هذه الآية: لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى وَزِيادَةٌ قال: «إذا دَخَلَ أَهْلُ الجَنَّةِ الجَنَّةَ وَدَخَلَ أهْلُ النَّارِ النَّارَ، نَادَى مُنَادٍ: يا أَهْلَ الجَنَّةِ، إنَّ لَكُمْ عِنْدَ رَبِّكُمْ مَوْعِداً يُحِبُّ أنْ يُنْجِزَكُمُوهُ فَيَقُولُونَ وما هو الموعد؟ ألم يثقّل موازيننا وبيّض وُجُوهَنَا، وَأَدْخَلَنَا الجَنَّة، وَنَجَّانا مِنَ النَّار؟ قالَ: ثُمَّ يُكْشَفُ الحِجَابُ فَيَنْظُرُونَ إلَى الله تعالى، فو الله مَا أعْطَاهُمْ شَيْئاً أحَبَّ إلَيْهمُ مِنَ النَّظَر إلى وجه الله تعالى» .
(١) عزاه السيوطي ٤/ ٣٥٦ إلى ابن مردويه. وأخرجه ابن مردويه عن ابن مسعود. .....