يغيب عنه بمثقال ذرة في الأرض ولا في السَّماء، ولا بمثقال ذرَّة أصغر من ذلك. فموضعه خَفْضٌ، إلاّ أنّه لا ينصرف فصار نصبا.
سورة يونس (١٠) : الآيات ٦٢ الى ٦٤
أَلا إِنَّ أَوْلِياءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (٦٢) الَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ (٦٣) لَهُمُ الْبُشْرى فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ لا تَبْدِيلَ لِكَلِماتِ اللَّهِ ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (٦٤)
قوله تعالى: أَلا إِنَّ أَوْلِياءَ اللَّهِ، يعني: المؤمنين، ويقال: أحباء الله، وهم حملة القرآن والعلم. ويقال: الَّذين يجتنبون الذُّنوب في الخلوات، ويعلمون أنّ الله تعالى مُطَلِّعٌ عليهم.
وروي عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنّه سُئِل عن أولياء الله تعالى، فقال: «هُمُ الّذين أداموا ذُكِرَ الله تَعَالَى» .
وقال وهب بن منبه: قال الحواريُّون لعيسى ابنِ مريمَ: يا روحَ الله، مَنْ أولياء الله؟ قال: «الَّذين نظروا إلى باطن الدنيا حين نظر النَّاس إلى ظاهرها، ونظروا إلى أجل الدنيا حين نظر الناس إلى عاجلها، فأحبُّوا ذِكْرَ الموت، وأماتوا ذِكْرَ الحياة، ويحبُّون الله تعالى، ويحبُّون ذكره» . وقال الضَّحَّاك: أَلا إِنَّ أَوْلِياءَ اللَّهِ يعني: المخلصين لله، لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ يعني: لا يخافون من أهوال يوم القيامة وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ حين زفرت جهنَّم.
ثمَّ نعتهم فقال تعالى: الَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ يعني: أقرُّوا وصدَّقوا بوحدانية الله تعالى، ويتّقون الشّرك والفواحش، هُمُ الْبُشْرى فِي الْحَياةِ الدُّنْيا
يعني: البشارة، وهي الرُّؤيا الصَّالحة يراها العبد المسلم لنفسه، أو يرى له غيره. وروي عن عبد الله بن عُمَر عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: «الرُّؤيا الصَّالِحَةُ جُزْءٌ مِنْ سَبْعِينَ جُزْءاً مِنَ النّبوَّةِ» . وفي خبر آخر: «مِنْ أرْبَعِينَ جُزْءا مِنَ النّبوَّةِ» «١» . وفي خبر آخر: «مِنْ سِتَّةٍ وَأرْبَعِينَ جُزْءاً» . وروى عَطَاء بن يَسَارٍ، عن رجل كان يفتي بالبصرة، قال: سألت أبا الدَّرداء عن هذه الآية: هُمُ الْبُشْرى فِي الْحَياةِ الدُّنْيا
، قال أبو الدَّرداء: ما سألني أحد منذ سألت عنها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: «مَا سَأَلَنِي عَنْهَا أحَدٌ قَبْلَكَ، هِيَ الرُّؤيا الصَّالِحَة يَرَاهَا المُسْلِمُ، أَوْ ترى له» «٢» .
ثمّ قال: فِي الْآخِرَةِ
: الجنَّةُ. وعن عبادة بن الصامت، أنه سأل النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فأجابه بمثل ذلك. ويقال: هُمُ الْبُشْرى فِي الْحَياةِ الدُّنْيا
يعني: عند الموت تبشّرهم الملائكة، كما
(١) حديث أبي هريرة عند مسلم (٢٢٦٣) (٨) وأحمد ٢/ ٢٣٣ وابن ماجة (٣٨٩٤) بلفظ جزء من ستة وأربعين. ومن حديث أنس عند مالك: ٢/ ٩٥٦ والبخاري (٦٩٨٣) ومسلم (٢٢٦٤) وحديث ابن عمر عند مسلم (٢٢٦٥) وأحمد ٢/ ١٨، ٥٠ وابن ماجة (٣٨٩٧ وابن رزين عند الترمذي (٢٢٧٩) وابن ماجة (٢٢٧٩) وابن ماجة (٣٩١٤) وأحمد: ٤/ ١٠.
(٢) عزاه السيوطي ٤/ ٣٧٤ إلى سعيد بن منصور وأحمد والترمذي وحسّنه وابن جرير وابن المنذر وابن مردويه والبيهقي.