قوله تعالى: وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً يعني: وفَّقهم لذلك وهداهم. ويقال: في الآية مضمر، ومعناه: ولو شاء ربك أن يؤمنوا، لآمنوا كلهم جميعاً.
أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ يعني: الكفار حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ ويقال: هو عمه أبو طالب. ولها وجه آخر: وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لأراهم علامة ليضطروا إلى الإيمان، كما فعل بقوم يونس، ولكن لم يفعل ذلك لأن الدنيا دار ابتلاء ومحنة.
ثم قال تعالى: وَما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ يعني: بإرادة الله تعالى وتوفيقه وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ يعني: الكفر عَلَى الَّذِينَ لاَ يَعْقِلُونَ يعني: يترك حلاوة الكفر في قلوب الذين لا يرغبون في الإيمان. ويقال: وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ يعني: الإثم. ويقال: الرِّجْسَ يعني: العذاب. قرأ عاصم، في رواية أبي بكر: وَنَجْعَلُ الرجس بالنون، وقرأ الباقون:
بالياء. ثم أخبر أنه لا عذر لمن تخلّف عن الإيمان، لأنه قد بيّن العلامات.
سورة يونس (١٠) : الآيات ١٠١ الى ١٠٣
قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما تُغْنِي الْآياتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ (١٠١) فَهَلْ يَنْتَظِرُونَ إِلاَّ مِثْلَ أَيَّامِ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِهِمْ قُلْ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ (١٠٢) ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنا وَالَّذِينَ آمَنُوا كَذلِكَ حَقًّا عَلَيْنا نُنْجِ الْمُؤْمِنِينَ (١٠٣)
قوله تعالى: قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ من الدلائل: من الشمس، والقمر، والنجوم، وَما فِى الْأَرْضِ، من الجبال، والبحار، والأشجار، والثمار، فاعتبروا به.
ثم قال حين لم يعتبروا به: وَما تُغْنِي الْآياتُ يعني: ما تنفع العلامات، التي في السموات والأرض وَالنُّذُرُ يعني: الرسل عَنْ قَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ يعني: لا يرغبون في الإيمان، ولا يطلبون الحق. وقال أبو العالية: لا تنفع الآيات والرسل عَنْ قَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ أي علم الله في سابق علمه أنهم لا يؤمنون. ويقال: عَنْ هاهنا صلة، ومعناه: وَمَا تُغْنِى الآيات والنذر قوماً لا يؤمنون، يعني: علم الله في الأزل أنهم لا يؤمنون.
ثم خَوَّفَهُمْ فقال تعالى: فَهَلْ يَنْتَظِرُونَ إِلَّا مِثْلَ أَيَّامِ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِهِمْ يعني: أن يصيبهم العذاب، مثل ما أصاب الأمم الخالية. قُلْ فَانْتَظِرُوا يعني: انتظروا العذاب إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ. ويقال انتظروا لهلاكي، فإني معكم من المنتظرين لهلاككم.
قوله تعالى: ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنا يعني: أنجيناهم من العذاب والهلاك، وَالَّذِينَ آمَنُوا معهم. انصرف هذا إلى قوله: مِثْلَ أَيَّامِ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِهِمْ ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنا يعني:
أنجيناهم من العذاب، وَالَّذِينَ آمَنُوا يعني: أنجيناهم معهم. ومعناه: إذا جاءهم العذاب ينجي الله تعالى محمدا صلّى الله عليه وسلّم، ومن آمن معه، كما أنجى سائر الرسل، والذين آمنوا معهم.
كَذلِكَ حَقًّا عَلَيْنا يعني: هكذا واجب علينا نُنْجِ الْمُؤْمِنِينَ من العذاب. قرأ الكسائي وعاصم في رواية حفص: ثُمَّ نُنَجِّي. بجزم النون وتخفيف الجيم، وقرأ الباقون: نُنَجِّي