إسماعيل، عن عبد الله بن دينار، أنه سمع ابن عمر رضي الله عنه يقول: قال رسول الله صلوات الله وسلامه عليه: «مِفْتَاحُ الغَيبِ خَمْسٌ لاَ يَعْلَمُهَا إلاَّ الله، لاَ يَعْلَمُ مَا تَغِيضُ الأرْحَامُ أحد إلا الله، ولا يَعْلَمُ مَا فِي غَدٍ أحد إلا الله، ولا يَعْلَمُ مَتَى يَأْتِي المَطَرُ أحد إلا الله، ولا تَدْرِى نَفْسٌ بِأَىّ أَرْضٍ تَمُوتُ إلاَّ الله، ولاَ يَعْلَمُ أَحْدٌ مَتَى تَقُومُ الساعة إلا الله تعالى» «١» .
سورة الرعد (١٣) : الآيات ٩ إلى ١٢
عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعالِ (٩) سَواءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسارِبٌ بِالنَّهارِ (١٠) لَهُ مُعَقِّباتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذا أَرادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوْءاً فَلا مَرَدَّ لَهُ وَما لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ والٍ (١١) هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً وَطَمَعاً وَيُنْشِئُ السَّحابَ الثِّقالَ (١٢)
ثم قال تعالى: عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ يعني: ما غاب عن العباد وما شاهدوه. ويقال:
عالم بما كان، وبما لم يكن. ويقال: عالم السر والعلانية الْكَبِيرُ الْمُتَعالِ يعني: هو أكبر وأعلى من أن تكون له صاحبة وولد.
قوله تعالى: سَواءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ يعني: سواء عند الله من أسر القول وَمَنْ جَهَرَ بِهِ يعني: من أخفى العمل، ومن أعلن بالعمل وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ يعني: في ظلمة الليل وَسارِبٌ بِالنَّهارِ أي: منصرف في حوائجه. يقال: سَرَبَ يَسْرُبُ إذا انصرف، ومعناه:
المختفي، والظاهر عنده سواء. وقال مجاهد: المستخفي بالمعصية، والسارب يعني: الظاهر بالمعاصي لَهُ مُعَقِّباتٌ قال ابن عباس: «له حافظات» مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ يعني: بأمر الله حتى ينتهوا به إلى المقادير. فإذا جاءت المقادير، خلوا بينه وبين المقادير المعقبات يعني: الملائكة يعقب بعضهم بعضاً في الليل والنهار، إذا مضى فريق يخلفه بعده فريق. وروي عن عبد الرزاق، عن معمر، عن قتادة لَهُ مُعَقِّباتٌ قال: الملائكة يتعاقبون بالليل والنهار يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ يعني: بأمر الله. ويقال: للمؤمن طاعات وصدقات يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ أي: من عذاب الله عند الموت، وفي القبر، وفي يوم القيامة.
ثم قال: إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ يعني: لا يبدل ما بقوم من النعمة التي أنعمها عليهم حَتَّى يُغَيِّرُوا يقول: يبدلوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ بترك الشكر. قال مقاتل: إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ يعني: كفار مكة، نظيرها في الأنفال: ذلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَياةَ الدُّنْيا عَلَى الْآخِرَةِ وَأَنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الأنفال: ٥٣ ، إذ بعث فيهم رسولاً من أنفسهم، وأطعمهم من جوع، وأمنهم من خوف، فلم يعرفوها، فغيّر ما بهم، فجعل ذلك لأهل المدينة. قال الفقيه أبو الليث رحمه الله: في الآية تنبيه لجميع الخلق، ليعرفوا نعمة الله عليهم، ويشكروه لكيلا تزول عنهم النعم.
(١) حديث ابن عمر: أخرجه البخاري (٤٦٩٧) (٤٧٧٨) و (٣٧٣٩) وأحمد: ٢/ ٢٤، ٥٢ والبغوي (١١٧٠) .